عزيزي يوسي
شكراً جزيلاً على ردّك الرائعِ على مقالتي التي قمتُ بنشرِها عبر موقع الحوار المتمدّن بتاريخ 13/7/2019 تعقيباً على كتابكَ “رسائلٌ إلى جاريَ الفلسطينيّ”. ومرّة أخرى فقد قررتُ أن أنشُرَ ردّي على رسالتكَ على شكلِ مقالةٍ عبر نفسِ الموقعِ حتى نُشركَ الآخرينَ في هذا الحوارِ ليتسنّى لهُم التواصلُ معكَ مباشرةً
لقد أدركتُ أخيراً بأنكُ تدعو كلاً من الإسرائيليينَ والفلسطينيينَ المُعتدلين إلى المشاركةِ في حوارٍ بهدف تحقيق السلام، وبأنك لا تستهدفُ حقيقةً اليمينيّينَ واليساريّينَ الذين يَسعونَ إلى دمجِ الدين بالسياسةِ والقيمِ والأخلاقيات الانسانية، وباعتقادي هنالكَ امكانيّة كبيرةٌ للوصولِ إلى مثل هذا الحوار لأنك ستجدُ أصواتاً عربيّة مُعتدلةً تتفقُ معكَ فيما تدعو إليه،لكن مشكلتي تكمنُ في إنني لا أؤمنُ بإمكانيّة دمجِ الدينِ بالأخلاقيات والقيم الانسانية
إنني أُدركُ تماماً بأن اختياركَ هو اختيارٌعمليّ بينما اختياري هوَ اختيارٌ راديكاليّ مُتطرّفٌ إلى حدٍ ما، لكنني في الوقتِ نفسهُ أعلمُ تماماً بأن اختياري هو الاختيارُ الصائبُ وأن اختياركَ هو محضُ حُلُمٍ ليسَ أكثر. بنهاية المطاف فإنه يتوجّبُ على الإسرائيليين والفلسطينيينَ والعرب وعمومِ سكّان الشرقِ الأوسط أن يختاروا بينَ الدين والعلمانيّة، تماماً مثلما فعلَ جيراننا الأوروبيون منذُ فترةٍ طويلة
وبالنسبةِ لنظرتكَ السلبيّة للحضارةِ الغربيّة فاسمح لي أن اعترضَ معك في هذه النقطة، فهذه الحضارةُ الغربيّة هي بمثابةِ المدرسةِ التي استقيتُ منها الكثيرَ والتي أراها على أنها أكبرُ حضارةٍ انسانيّة عبرَ التاريخ. بالنسبةِ لكَ فإنك تنظرُ للألمان على أنّهُم مرتكبو المحرقةَ اليهوديةَ سابقاً، أما إذا أمعنتَ النظرَ في ألمانيا اليومَ فإنك سترى ألمانيا التي تستقبلُ اللاجئين على أرضها، وهُنا تكمنُ قوّة الحضارةِ الحكيمة، إذ أنها دائماً ما تتعلّمُ من ماضيها وتمضي قُدُماً نحو المُستقبل. في الوقتِ نفسهِ فأنك إذا ما نظرتَ إلى نمطَ الحضارةِ الدينيّة التي تسود الشرق الأوسط ستكتشفُ بأن اليوم لا يختلفُ أبداً عن البارحة، والحاضر لا يختلفُ كثيراً عن الماضي
ختاماً، فإنني أدعوكَ لقراءةِ كتابي الذي يتكوّن من قرابة المائة صفحة والذي ألّفتهُ تحت عنوان” أساطير الدين والسياسة”، حيثُ أن كتابي هذا متوافرٌ عبر صفحتي في موقع الحوارالمتمدّن، وهو كتابٌ قصيرٌ لا يختلفُ كثيراً عن كتابكَ، بحيثُ أوضّحُ فيه مُجملَ نظرتي العلمانيّة للماضي والمُستقبلِ في الشرقِ الأوسط. وهوَ يتضمّنُ باختصارٍ جُلّ ما يُمكنني قوله في هذا الشأن
معَ أطيب التحياتِ
عبد الجوّاد سيد