الرسالة الأولى من السيّدة داليا إلى يوسي

 في البداية اود ان أشكر من بعث لي بهذا الكتاب وينتظر ملاحظاتي ونقدي بل وافكاري الشخصية ايضا . وانا اريد ان اوجه حديثي الي السيد (يوسي) شخصيا وليكن حديثا من القلب الي القلب

 انا يا سيدي درست الادب والتاريخ العبري وايضا التوراة العبرانية و قرأت التوراة بلغتها العبرية الاصلية وبصفة شخصية بعد سنوات من دراستي اعتقد ان لدي الشجاعة ان اعترف بحق الشعب العبراني اليهودي في ارضه التاريخية وبقيام دولة اسرائيل  اعترافي قائم علي الدراسة والعلم واعتقد اني كنت محظوظة بتلك الدراسة ووصولي الي تلك الحقائق لاني لم اعتمد علي دراستي الاكاديمية بل اضفت عليها الكثير من البحث العلمي المتواصل لذلك اعترافي مبني علي العلم والحقائق التي تعلو علي العاطفة والتعصب الاعمي والكراهية المجانية

 لقد لاحظت في رسالتك الاولي التي انهيتها توا انك رددت مرارا وتكرارا مصطلح ( الاحتلال) وهذا شيء غريب جدا لان دولتك ليست احتلال وشعبك اليهودي ليسوا مجموعة من القراصنة بل انتم علي ارضكم . ليس فقط من اجل الحق التاريخي بل من اجل الحق القانوني لاني اتطلعت علي وثائق قديمة تاريخية ترجع الي العهد العثماني وهي عقود بيع من العرب الي اليهود وايضا انا اعلم تبعا لدراستي موجات الهجرة التي تعود الي نهاية القرن ال١٩ وبداية ال٢٠ وتسبق قيام الدولة 1948 ولم تكن هناك نية حقيقية لاي احتلال ولكن المواجهات العنيفة بدأت عندما بدأت اسرائيل في اعمال بناء الدولة لان العرب لم يقبلوا ذلك

 ومن جانب اخر اذا لم يتم اعلان قيام الدولة اعتقد ان هذا كان سيكون تهديد عظيم لليهود لان جميع المتخصصين يعلمون ان اسرائيل حماية لليهود بجيش دفاعها طبعا مثل اي دولة. وانا حقا مندهشة لماذا كل هذا الاحساس بالذنب يا سيدي؟
 ما اعلمه جيدا ايضا ان الفلسطينين هم اليهود انفسهم لذلك انا افضل اطلاق لفظ عرب اسرائيل عليهم جميعا وطبعا البدو من جهة اخري وانا وانت نعلم جيدا ان اصولهم مهجنة من عدة دول في الشام ومصر وحتي الان هناك اسماء عائلاتهم تحمل القاب شامية ومصرية وهم يعلمون ذلك جيدا وانا اري انهم تواجدوا علي تلك الارض وعاشوا فيها ولن اسلب منهم حقهم لكن هم من يسلبونكم حقكم لان ببساطة الامور بينكم عكسية بمعني ان اليهود اجدادهم تواجدوا علي تلك الارض ثم حدث الشتات اما العرب فاجدادهم كانوا يعيشون في المناطق المحيطة ثم نزحوا الي تلك الارض فالامور بينكم عكسية

  نعم انها تضحية كبيرة من جانب الطرف اليهودي بالتخلي عن الضفة الغربية لانها اساس الدولة العبرية القديمة ولذلك يستحضرني الحل الاخر الذي مر عليّ اثناء دراستي وهو الدولة ثنائية القومية (דו-לאומי ) بمعني ارض واحدة لشعبين لكن انا لا اعرف توابع هذا الحل لان تخصصي ليس سياسة بل ادب 

اعترف بوجودي ، ياله من تعبير قوي وصارخ وله تاثير عظيم علي نفسي لانك اختصرت كل مشاعر الحزن والغضب اليهودي في كلمتين فقط … وللاسف هنا تكمن المشكلة الحقيقية او المسالة اليهودية كما تعودنا ان نطلق عليها وتعود الي دافعين
 الأول هو المعادة الدينية بمعني ان اليهود هم الاعداء الخالديين للمسلمين لان هذا مذكور في اكثر من اية في ( القران الكريم) فماذا نحن فاعلون في تلك النصوص المقدسة؟ بالطبع كانت هناك محاولات لفصل النص المقدس عن الزمن الحالي والظروف الحالية ومحاولة اقناع المسلمين ان لكل نص ظروفه الزمنية والاجتماعية ولكن هيهات لان من حاول ذلك من الكتاب اتهموه بالكفر ومنهم من تم اغتياله بحجة ان القران صالح لكل زمان ومكان وطبعا الحكومات العربية استغلت هذا بطريقة مشينة لتوجيه الفكر الشعبي لصالح توجهات الحكومات نفسها ولكن الاغراض الحقيقية كانت سياسية بدليل ان هناك مسلمون في الصين والهند ولا يعادون اليهود نهائياً

 الدافع الثاني هو مشكلة ايديولوجية لانك تجد معادة السامية من قبل ماركسيين او ملحديين ولا يؤمنون بالاسلام نفسه وهنا تظهر مشكلة القومية والنفخ في النار وايضا الحكومات العربية هي السبب الرئيسي في ذلك لانها تتحكم في الاعلام بل وتتحكم فيما يقوله الكتاب والصحفيون بل والمدرسيين في المدارس والجامعات ايضا ويكفي ان اقول لك ان الاساتذة في جامعتي المتخصصون في الدرات العبرية محرم عليهم نهائيا الاعتراف باسرائيل رغم انهم يدرسون كل شيء عن اسرائيل …. أليس هذا من سخرية القدر؟

من وجهي نظري المتواضعة ان السلام الذي تنشده لن يتحقق الا بتغيير الدوافع بمعني البعد عن النص الديني المتطرف  لذلك كان صديقك من هؤلاء الصوفيين غير المتطرفيين والذين لديهم جوانب روحانية رائعة ) + والشيء الاخر هو تغييرانظمة الحكم البوليسية الديكتاتورية الفاسدة في الشرق الاوسط والتي دائما تسعي لخلق عدو وهمي لإلهاء الشعوب عن المطالبة بحقوقها ولا سيما الحكومة الفلسطينية نفسها وحماس الارهابية وطبيعي يا سيدي ان ياسر عرفات يرفض اي محاولة للسلام والاجابة كانت بعد موته وقد ترك ملايين الدولارات لزوجته وابنته في فرنسا …هل تريد ان تقطع عن القيادة الفلسطينية كل تلك الملايين من الدولارات؟ ( تريد سلام مع من يا سيدي؟

 8- في النهاية اود ان اعبر لك عن اعجابي بلغتك النثرية في الكتابة والتي تقترب من لغة الشعر فهي لغة نثرية شاعرية رقيقة وحالمة و حزينة جدا و كأن الحزن ترسخ في وجدان الشخصية اليهودية الاصيلة ولقد ذكرتني بكاتب اسلوبه رقيق ايضا هو ( حاييم هزاز) واسمح لي ان اهديك ابيات شعرية كنت قد قراتها منذ بضعة ايام للشاعر العظيم شاؤول تشرنحوفسكي
( שאול טשרניחובסקי) لاني رايتك خلال تلك الابيات الحالمة الحزينة مثلك :

שחקי כי גם ברעות אאמין, אאמין, כי עוד אמצא לב, לב תקוותי גם תקוותיו, יחוש אושר, יבין כאב
——————————————————————————————————————–

الرسالة الثانية

عزيزي يوسي

1- إنني اقدر جداً صراحتك خلال وصفِك واعترافك بأنك لا تشعر بالحزن الحقيقي خلال صيام التاسع من آف وبأن هذه المشاعر تبدو مصطنعة إلى حدٍ ما. إن وصفك ومشاعرك بأن الخلاص لم يتحقق بعد هو امر ينمّ عن صدق عميق، وقد نجحتَ بأن تنقل لنا عبر كتابك المشاعر التي يشعر بها اليهوديّ المتديّن. بالنسبة لتساؤلاتك عن الطريقة التي قد يتوحّد عبرها الناس فإنني اعتقد ان هذا سوف يتحقق مع مرور الوقت وبمجيء الاجيال القادمة، لكن الوصول الى مجتمعٍ متوحّدٍ قد يستغرق وقتاً طويلاً، لان ذلك يبدو كالخليط الذي يتكوّن من عدة نكهاتٍ مختلفة

2- عِنْدَمَا رَدَّ الرَّبُّ سَبْيَ صِهْيَوْنَ، صِرْنَا مِثْلَ الْحَالِمِينَ “، يا لها من آية عظيمة من سفر المزامير! لكن هل كان هذا حلماً وقد تحقق فعلاً؟ خاصة وان اليهود امتلكوا القوة والتأثير والوسائل التي مكنتهم من الوصول الى مبتغاهم، وهذا بحسب رأيي احد أهم أوجه الاختلاف بين التفكير المتديّن والتفكير العلمانيّ

3- كيف تمكّن اليهود من البقاء على قيد الحياة؟ كيف أبقوا الأمل حيّاً في قلوبهم؟ بامكاني ان أجيب على هذه الأسئلة متخيّلاً حياة الشتات في الغيتوهات: فعلى الرغم من أن هذه الغيتوهات عزلت اليهود عن المجتمعات التي كانوا يعيشون بها الا انها نجحت في تقوية اواصر الدين والهوية لدى اليهود، بالتالي كانت هذه الغيتوهات بمثابة سيفٍ ذو حدين بالنسبة لليهود

4- إنني ادرك تماماً أن فكرة المسيح المخلص هي واحدة من أكثر الأفكار المثيرة للجدل حتى من وجهة نظر الديانة اليهودية نفسها، لكن هنالك عدة حركات منها المتدينة ومنها العلمانية التي اعتبرت الحركة الصهيونية بمثابة المخلّص، خاصة وانه ليس من الضرورة ان يأتي المخلص في صورةِ انسان، فقد يأتي الخلاص على هيئة فكرةٍ لحركةٍ وطنيّة يهودية أيضاً

5- كذلك فقد تأثرت جداً بتكرارك وتأكيدك على ارتباط اليهود بأرض صهيون من خلال صلواتهم وعباداتهم، لان ذلك ينفي بما لا يدع مجالاً للشكّ فكرة الاحتلال او الاستعمار التي يتم تصوير بها دولة اسرائيل لانه يؤكد على عمق العلاقة الروحية بهذه الارض

6- لقد دافعت عن الحركة الصهيونية كونها حركة وطنيّة يهودية، وهي ليست حركة استعمارية باي شكل من الاشكال، وانني اتفق معك في هذا، لكنك وصفتها بطريقةٍ رومنسيّة إلى حدٍ ما. في الواقع فان الحركة الصهيونية انطلقت في البداية بطريقةٍ وفكرٍ “رومنسيّ” قبل أن تتحوّل إلى حركةٍ وطنيّة، لكن هذا ليس السبب في فشل اليهود في الاندماج في المجتمعات التي عاشوا فيها سابقاً. إنني أؤمن بان فشل حركة الحَسكلا – حركة التنوير الفكري اليهودي في اوروبا – هو السبب الحقيقي في ظهور الحركة الصهيونية

وحركة الحسكَلا أو حركة التنوير الفكري اليهودي في اوروبا استمرت منذ سبعينيات القرن الثامن عشر حتى ثمانينيات القرن التاسع عشر، وقد استوحت هذه الحركة فكرها انطلاقاً من حركة التنوير الأوروبي  لكن بفكرٍ غلب عليه الطابع اليهودي. والمعنى الحرفي لكلمة حسكَلا يعود إلى الكلمة العبريّة “شيكل” والتي تعني السبب أو العقل، وقد انطلقت هذه الحركة انطلاقاً من المباديء العقلانيّة المنطقية، حيث شجعت اليهود على دراسة المواضيع العلمانية وتعلم الغات الاوروبية اضافة الى اللغة العبرية، كما وشجعتهم عى دراسة مجالات عديدة مثل الزراعة والحرف اليدوية والفن والعلوم. لقد حاول المَسكَليم – متبعو حركة الحسكَلا – الاندماج في المجتمع الاوروبي فيما يتعلق بالأزياء واللغات واسلوب الحياة والولاء للنظام الحاكم، وقد ساهمت حركة الحَسكلا  بنهاية المطاف في ظهور حركة الاصلاح اليهودي والحركة الصهيونية

داليا عزيز

——————————————————————————————————————-

الرسالة الثالثة

عزيزي يوسي

لقد كنتُ متحمّسةً جدّاً لإنهاء قراءة الكتاب، ليس فقط لتلخيص ملاحظاتي في ردي هذا، بل كذلك بفضل الأمل الذي كان يتملّكني منتظرةً إيجادَ ما يثير اهتماميَ فعلاً في الرسائل المتبقية. لقد كنت آمل كذلك بأن تكون محادثتنا الأخير ذات طابع شخصي أكثر خشية أن أحرجك بحديثي عن موضوع كيفية رؤية اليهود لغير اليهود

  • لقد شعرتُ بالاحباط حين عرفتُ أنني لن أجد ما كنتُ آمل في إيجاده. لقد تحدثْتَ عن مفهوم شعب الله المختار لكنّك تجاهلتَ معضلةً أخرى بشكل كليّ، وهي كيف يرى اليهودُ غيرَ اليهودِ استناداً إلى التلمود. لطالما تم تناوُل هذا الموضوع بشكل واسع المدى بالعالم العربي، وإنني أنا بنفسي قد حظيتُ بتجربة سلبية جدا

بخصوص الشيءُ الذي تسبب لي في صدمة قوية جدّا

  • إنني أعرف تمام المعرفة بأن هناك بعض اليهود ممّن يرفضون وجهة النظر هذه، إذ أنك أنت بنفسك قد ذكرتَ سابقاً بأن زوجتك كانت مسيحيةً قبل أن تعتنق الديانة اليهودية، ما يعني أنك قد أحببتها واحترمتها رغم أنها لم تولَد يهوديّةً
    على أية حال، يجب أن تعرف أن وجهة نظر اليهود تجاه غير اليهود ليست غريبةً بتاتاً على العرب، وأنهم يعتبرون اليهود متعالين وفوْقِيّينَ، ولهذا السبب بالذات فإنني أؤكد على ضرورة تطرّقك لهذه المسألة. فأنا شخصيّاً لا أعلم فعلا كيف يجب عليّ أن أتعامل مع النصوص المقدّسة، لكنك أنت باعتبارك شخصا متديّناً، فإنك بتطرّقك لهذه المعضلة ستصل حتما لمبتغاك في تحقيق التفاهم والسلام

داليا عزيزي من مصر

———————————————————————————-

لقراءة ردّ يوسي كلاين هاليفي على تعقيب السيّد داليا تفضّلوا بزيارة هذا الرابط