تحيتي الجميلة للسيدة ميخال والتي قدمت نفسها لي بمعنى اسمها الجميل ذي العمق التاريخي ومن النوع الملكي، وتحيتي للمؤلف يوسي كلاين هاليفي الذي اوضح للانسانية انه انسان يستحق  كامل الاحترام على ما قدمه في هذا العمل. لقد كتب وشاركنا كل لحظة كان يتقلب به الفكر وفق الظروف التي تحيط به دون لومة لائم، مما جعله يعيش في حالة تناقض، فهو يمقت الجدار العازل  رغم انه ايّد بناءه من قبل. الكتاب يمثل دعوة لتقارب فكري على أساس ديني توحيدي بين الطوائف الإبراهيمية ، حاول الكاتب من خلاله إيجاد المنطقة المشتركة للحوار عن طريق المنطقة مشتركة النزاع ، و تحويل مفهوم هذا النزاع إلى مفهوم تقارب للوصول إلى تحقيق السلام

تتطرق هذه الرسائل إلى الوضع الحالي بين الإسرائيليين و الفلسطينيين بكل حيثياته ، في محاولة لفرز أوجه التقارب عن أوجه الخلاف ، ومحاولة فهم قضية الصراع لإيجاد حلول بطابع إنساني ديني توحيدي كما ظهر بشكل واضح هذا الأسلوب في الرسالة الأولى “الجدار الذي يفصل بيننا” ، حيث بدأ الكاتب بالحديث عن الجدار العازل بين إسرائيل و الضفة الغربية ، لينتقل بشكل مرن جداً إلى الجدار الآخر – حسب ما ظهر لي- وهو الجدار النفسي العازل ، والذي يمكن أن يكون أكثر صعوبة في الإزالة عن الجدار الحقيقي ، طبعاً كانت هذه رسالة ضمنية بين أسطر الرسالة الأولى لم يصرح بها الكاتب و إنما ظهرت في محاولاته لفهم الأسباب النفسية للصراع من وجهة النظر الفلسطينية . ويوضح لنا الكتاب جهود يوسي في يهم الجانب النفسي للصراع من خلال في نزوله إلى الشارع الفلسطيني و النظر من خلال المفهوم الإسلامي في محاولة أيضاً لفهم أسباب الصراع من ذلك الجانب

لقد تضمنت الرسالة الاولى تأملات وأفكار الكاتب حول وضع إسرائيل وفلسطين من موقعه في مدينة القدس، فقد أخبرنا بأنه يقطن التلة الفرنسية على مسافة غير بعيدة من الجدار العازل، وقد وضح لنا سبب اختياره خطاب الجار باعتبار أنه الجار الفلسطيني مجهول بالنسبة له، إلا أن حياتهما متداخلتان إلى حد كبير، معتبراً أن صيغة الخطاب هي الأقرب للواقع اليومي، قائلا: [ أشعر بوجود ذلك الحاجز في كل مكان رغم أني بالكاد أراه]

كما تضمن الكتاب أيضاً العديد من الافكار التي توضح الحق التاريخي للوجود اليهودي في المنطقة ، و بعض القضايا الإسرائيلية المعاصرة و التي توضح ماهية الطابع الخاص بدولة إسرائيل و ما إذا كانت قائمة على أساس علماني أم ديني ، (بأسلوب تحليلي اجتماعي) ، و أيضاً ذكرى المأساة اليهودية – الهولوكوست – ، وانا لا أنكر أن العاطفة المستخدمة في هذا الكتاب عاطفة إنسانية جياشة ، و لكن في رأيي أن هذه العاطفة تمثل مرحلة أولية لإذابة الجليد ، حيث يجب أن يتبعها مراحل أخرى وصولاً إلى حوار فكري يجمع بين الأطراف المتنازعة ، يقيم أوجه الخلاف ، و محاولة الوصول إلى الحلول الوسطى بينهم

كانت قراءتي لهذا الكتاب تجربة جيد رأيت فيها دعوةٌ مفتوحةٌ بعيدةٌ كل البعدِ عن العنفِ والسلاح،  دعوةٌ للتعاطفِ والمحبّة. إنّني أرى عملاً أدبياً عميقاً ومُبتَكراً لا يقومُ به سوى كاتبٌ موهوبٌ جداً ، إنني أرى عملاً ذا رسالةٍ وجّهها مؤلّفهُ لقرائِه من أعماقِ قلبهِ،  حيث اراه مرة يزرع بذوراً لعلاقة جديدة بين الشعوب بغض للنظر عن تطبيع الحكومات،  ومرة اراه مصححاً لمفاهيم مغلوطة جاءتنا عبر اعلام مسيطر بانفراديته علينا كعرب بهدف منع لم الشمل الانساني بيننا بغض النظر عن افعال الحكومة الاسرائيلية في كل مراحلها وفتراتها وبغض النظر ما يتم تفسيره بين الدفاع والهجوم في جو مشحون بالعسكرة . لقد التزم السيد يوسي كاتب  الحيادية بكل ما اوتي من ثقافة عامة ومحبه شاملة وخاصة، واشعر جدا بخلجاته كوني قارئة املك خلفية ثقافية مشحونة بعض الشي الا انني امتلك ايضاً نفسية مليئة بالايجابية

 أما بالنسبة لتجربة المؤلف فقد كانت محاولة للتنقيب واكتشاف ما يجمع بين أبناء الديانات السماوية الثلاث المتواجدين في هذه البقعة المقدسة من العالم وتوصل الى قناعة مفادها أنهم يقدسون الذات الإلهية ، لكن مثلما وضح لنا فأن التعايش منوط أحيانا بما سماه الكاتب«الانفصال المشترك»، فالقدس تضم الحي الإسلامي واليهودي والمسيحي والأرمني

ومن خلال رحلة التوصل للغة دينية للسلام بدأ المؤلف بالتعرف على الإسلام، وخلصَ إلى أن الوجدان الإسلامي لا يعرف الخوف، خاصة عندما يتعلق الأمر بمواجهة الموت وحقيقة فناء الإنسان، وأنه إذا تبنى الطرفان فكرة الوجود المؤقت على هذه الأرض فإنه بالإمكان إيجاد خطاب ديني للسلام ينبذ التشدد بين الفلسطينيين والإسرائيليين

وقد أبدى المؤلف تعاطفه وتفهمه للشعب الفلسطيني الذي بات يعاني الشتات والتشريد، ورأى من خلال محاولاته للإصغاء للرواية الفلسطينية أن سبب الصراع هو التمسك بالأرض «تفهمي لروايتك لا يعني فقداني لتعاطفي وحبي تجاه حقيقة عودة شعبي اليهودي إلى أرضه» باعتبار أنها قصة إيمان وعقيدة 

يوضح لنا ايضا بعض الامور عن اليسار الاسرائيلي  الذي راهن على سلام الشعوب وفشل لإنه لم يكن هناك على الجانب الفلسطينى يسار بنفس الوعى والقوة ، في الوقت نفسه راهن اليمين الإسرائيلى على سلام السياسة وإنسحب فعلاً من سيناء وغزة ، لكن السلام مع ذلك لم يتحقق، لإن سلام الشعوب وليس سلام السياسة هو السلام الحقيقى، والذى لن يتحقق إلاعندما تكتمل ظروفه المناسبة. لقد كان المؤلف محقا عندما قال بإن تجاهل وجهة نظر اليسار الإسرائيلي كان خطأ فادحا، حيث لا يمكن الاستمرار في تجاهل واقع احتلال الضفة الغربية من قبل اسرائيل

قد كان المؤلف محقاً أيضا عندما وازن في إلقاء اللوم في فشل محادثات أوسلو على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، فالإسرائيليين استمروا في بناء المستوطنات أثناء المحادثات والفلسطينيون لم يتجاوبوا مع أي مبادرات أخرى للسلام. أن الحل الأمثل للسلام هو حل الدولتين وتمكين الفلسطينيين من السلطة كدولة مستقلة وهدم الجدار العازل وأن تعيش إسرائيل بين جيرانها في الشرق الأوسط في أمان، فإسرائيل اليوم منفتحة على شعوب المنطقة وتمد لهم يد السلام، ولا حل لأزمات المنطقة إذا ظلت إسرائيل بعيده عن جيرانها، فهي  واقع موجود لابد من التعايش معها والتعاون أيضا معها في كل المجالات

 إسرائيل ليست دولة عدوانية كما صورها لنا إعلام ومثقفوا القومية العربية ومن هم علئ شاكلتهم،  والتعامل معها سوف يؤدي الى إحلال السلام, والأمن والاستقرار في المنطقة. لقد أخطأ العالم العربي  – كما أشار الكاتب في كتابه – عندما تجاهل حق اليهود في عدالة قضيتهم وحقهم في إقامة دولتهم, فالحق التاريخى لليهود فى فلسطين حقيقة لاريب فيها ، كما أن إسحق هو صاحب الحق فى ميراث إبراهيم، وليس إسماعيل ، كذلك فأنا مقتنع كل الإقتناع بأن رغبة الإسرائيليين فى السلام هى أكبر من رغبة الفلسطينين ومحيطهم الإسلامى، والذين لا يقبلون إلا بمبدأ كل شي او لا شي بينما قد قدم الإسرائيليون أكثر من فرصة للسلام ، سواء فى قرار التقسيم سنة 1947 ، أو فى كامب ديفيد سنة 2000 وبمبدأ التنازلات المتبادلة ، وليس بمبدأ إما نحن او إما الطوفان، أما الإسرائيليين فقد كان خطأهم عندما تجاهلوا الفلسطينيين

أكتفي بهذا القدر من أرائي ووجهات نظري في الكتاب والافكار المطروحة فيه احتراماً لدعوة الكاتب لجميع القراء واعطاء الفرصة لهم للقراءة وتكوين الآراء الخاصة بهم ليتسنى لهم الاندماج في هذا الحوار الفكري الذي يطرحه الكتاب . فتحياتي مرة أخرئ اكتبها تصفيقا للسيد يوسي على هذه المطالعة التي تريح الخاطر

 

مع تحياتي

 روزالين الحاشدي

3/1/2020