أثناء قراءتي للرسالة الأولى في الحقيقة تفاجأت من أسلوب الكاتب يوسي كلاين في الكتابة فهو عرف عن نفسه في بداية الكتاب بأنه يهودي متدين ومتشدد في أتباعه للقيم اليهودية لكن خلال قراءتي لم اجد ذلك لم اجد التدين والتشدد ، وجدت إنسان مطلع على الوقائع الحاصلة في المنطقة التى هي ما بين نهر الأردن وشرق المتوسط ، كأنه كاتب قادم من اليابان ويكتب من دون تشدد او انحياز او عنصرية وكأنه مهتم بالأمر فقط
وجدت خطاب عقلاني يخلو من العنتريات والأوهام التى تعودنا أن نجدها نحن العرب عند الكتاب والأدباء العرب ، كان أسلوبه في السرد ذكياً وعاطفياً نوعاً ما ، أدهشني استخدامه بعض المصطلحات مثل ” الاحتلال الاسرائيلي” و “السيادة الفلسطينية ” هذه المصطلحات هي التي جذبتي أكثر للقراءة، وجدت فيها إحترام للقارئ وحيادية ومهنية يتفوح بها وهو داخل ارض النزاع الأمر الذي جعله يرتقي كأنسان أكثر داخل ثنايا نفسي ، وجدت حزن الكاتب خلال القراءة ، حزنه على شعبة والشعب الآخر في التلة المقابلة لنافذته
في الحقيقة لا تهمني كلتا الروايتين التاريخيتين لكلا الشعبين وهذا يعتبر تحيز مني أنا كقارئ عربي في الثالث والعشرين من عمري في اليمن الذي أهلكته النزاعات والصراعات والتمسك بالماضي الشنيع، فأسباب صراعنا في اليمن هو التاريخ فنحن العرب مزوري للتاريخ ، والبطولات التى تقدس إرهاب تلك الحقب الزمنية التى أشعر بالخجل عند إستعراضها في ما يسمى بالفتوحات و الغزوات والسبي والجهاد
فمن تاريخنا أن نحن العرب قمنا بإحتلال أسبانيا او ما يسمى بأسم شبة جزيرة أيبيريا تحت مسمى ” فتوحات ” لمده تتجاوز اكثر من ستمائة سنه اي سته قرون، حيث قمنا بتخيير الشعب الأسباني اما بدخول الإسلام او دفع الجزية وذلك لستمائة عام ، لكن بنهاية المطاف عاد الحق لأصحابه، الا المضحك في الموضوع هو أن العرب والمسلمين امتلكوا رواية تاريخية عن تلك الأرض ويحلمون بالعودة لها ذات يوم
إن الأمر مخزي لي كشاب عربي يمني حيث شارك أجدادي في غزو تلك البلدان كإسبانيا وبلدان آسيوية وأفريقية و أوروبية كدول البلقان وعاثوا فيها الفساد من قتل وسلب للحريات الدينية والحقوق المتوارثة، أود الاعتذار من كل شيء ارتكبناه في تلك الحقب التاريخية السوداء
أنا هنا أقارن بين الحقوق التى وهبها الاسرائيليون للفلسطينيين وبين الحقوق التى سلبها العرب من ضحاياهم
العرب في فلسطين والعرب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل عام بارعون في أدعاء المظلومية من الف وخمسمائة عام وتعتبر أحد المهارات التى يتميز بها العرب
أحزنني جدا وضع الجدار العازل بين الضفة الغربية و الأراضي الإسرائيلية ، أود التوضيح هنا أن الجدار الفاصل ليس جدار أسمنتي بل هو جدار فكري وثقافي يعمق الكراهية يبث سمومه رجال الدين المسلمين و الأدباء العرب وكذلك المثقفين، هذا الجدار تعمقة بعض الحكومات في الشرق الأوسط لدعمها بعض الحركات الإرهابية وبالمقابل هذه الحكومات لديها علاقات تجارية مع أسرائيل، وبعض البلدان العربية التى تمارس التقية بكرهها لإسرائيل أمام الاعلام وتربطهم علاقات اقتصادية مع الشركات الأسرائيلية
فالجدار الإسمنتي الوهمي موجود في بلادي اليمن فهناك جدارعميق وطويل بين اتباع الطائفة الزيدية و أتباع الطائفة الشافعية وكذلك هذا الجدار العميق و الطويل كان متواجد بين اليهود اليمنيين والمسلمين في اليمن فكان يمنع إلتحاقهم بالمدارس والوظائف، كذلك كان يمنع امتلاكهم لهويات وبطاقات شخصية، فالجدار الفاصل بين التلة الأسرائيلية والتلة الفلسطينية هو جدار فكري شيده الفلسطينيين من حجارة الكراهية والبغض والحقد وتم طلاؤه بفتاوى ووعي اسلامي يحرم التعايش والسلام و المحبة
أحزنني ما أصيب به الإسرائيلين من خيبة تجاه التيار اليساري الذي كان يدعو للسلام والمفاوضات مع الفلسطينيين ، وتزايد شعبية تيار اليمين المتشدد
أما من خلال قراءتي للرسالة الثانية الموسومة بالحاجة والحنين فصراحة توفق الكاتب يوسي كلاين في نقل معاناة اليهود في الشتات و التعريف بها. أتنمى من شباب جيلي الذي خلقوا في نهاية التسعينات أن يقرأوا الكتاب، فنحن جيل صعدنا على كم كبير من الكلام المزيف و الغير موضوعي فيما يخص القضية الفلسطينية و الإسرائيلية، حيث استطاع تيار الأخوان المسلمين في تمحور رؤيتنا و قراءتنا لهذه القضية من خلال نسج الأكاذيب الدينية و العداء للسامية
الكاتب تحدث عن اليهود اليمنيين في إسرائيل لكنه لم يتحدث عن معاناتهم في اليمن ، اليهود اليمنيين كانوا متواجدين في اليمن من العهد الحميري و استطاعوا تحويل الهوية الدينية للدولة آنذاك الى دولة يهودية حميرية وكانت ثاني دولة يهودية بعد الدولة في أسرائيل في شرق المتوسط ، بعد العظمة التى كانوا يمتلكوها آنذاك فقد تحول حالهم من سادة القوم الى أسفل السلم الاجتماعي اليمني فقد تم منعهم من التعليم و الالتحاق بالوظائف الحكومية وتم منع استصدار لهم هويات شخصية من بطائق ميلاد وجوازات سفر كذلك لا يحق لهم الدخول للمحاكم وحل النزاعات فيها ولا توجد لهم أحوال شخصية بتاتاً، وتم أجبارهم على عمل “الزنار” وذلك للتفريق بين اليهودي والمسلم ، وتحديد لهم بعض المهن الذي عليهم الاشتغال بها كصنع الأحذية و أصلاحها ، وتجميع روث وفضلات الحيوان و الأنسان ، و صياغة الفضة والذهب التى كانوا بارعين فيها ولايستطيع المسلمين الاشتغال بها فالتراث اليمني الموجود بين أيدينا يدين لهم بالفضل كليا. فالرغم من دورهم الريادي في الاقتصاد و التراث وكذلك الأغنية
اليمنية فقد تم أقصاؤهم من أبسط حقوقهم المدنية وتركوا اليمن وهم كارهين ذلك فقد كانوا في اليمن لأكثر من الفين عام
في الحقيقة الكتاب إستطاع توضيح الحقيقة و المأساة التى ترافق صناعة السلام في المنطقة
الكاتب يريد توضيح الحقيقة الإنسانية في الاستيطان البشري لكوكب الأرض فخلال خمسة آلاف سنة من حين عرف الأنسان الكتابة و التدوين و التاريخ فقد كان الاستيطان البشري لأقاليم الأرض كان عبارة عن هجرات وحروب وتعايش و سلام وتقبل الآخر فهذا نحن البشر و يجب علينا أن نتعلم معنى التعايش والسلام و التناغم مع بعضنا البعض ومع أختلافاتنا العقائدية واللغوية والاجتماعية فهذه سنة الله في الأرض وهكذا نحن على مر التاري
الكتاب يحاول خلق أرضية مشتركة للحوار على أساس منطقي على طاولة الحوار و المفاوضات
الكاتب أستطاع من خلال رسائله خلق نموذج للحوار العقلاني ليس مع العربي و الإسرائيلي فقط بل يمكن أن نتخذه نموذج للحوار مع العربي والكردي، و العربي و الإيراني ، و الكردي والتركي وكذلك مع العربي والعربي في نفس الدولة كحالتنا مع اليمن
أتمنى أن تحدث معجزة تقنع العرب الفلسطينيين بجدوى الحوار و العيش بسلام و تقاسم الأرض
أتمنى شباب جيلي أن يقرأوا الكتاب ليتمكنوا من النظر بموضوعية و عقلانية لهذه القضية
مع الاحترام والتقدير
حميد الحاضري من اليمن