عزيزي يوسي
بدايةً فإنني لا أخاطبكَ من بابِ عداءٍ أو ضغينةٍ أكنّها لكَ، بل إنني أبعثُ لكّ بهذه الرسالةِ من باب شعوري بالإحباط الشديدِ في خِضمّ بحثي عن سُبُلٍ لتجاوزِ الحواجزِ الاجتماعيّة التي تشكّلُ عائقاً أما إحراز أي تقدّمٍ اجتماعيّ ملموسٍ من شأنهِ أن يُشعرَني بالفخر والاعتزازِ بموطِني الأصليّ
وعندما أتحدُّث عن التقدّمِ الاجتماعي فإنني أقصدُ هُنا نهضةً في مجالِ تنشئةِ الأجيالَ الشابّةِ وتربيتِها على مباديء التّسامحِ وتقديرِ الآخرينَ وضبطِ الانفعالِ والقدرةِ على التفاوضِ والنقاش بدلاً من ترسيخِ فكرةِ الإملاءات والهيمنةِ في عقولهم، هذه الأجيال التي يجبُ أن تترعرعَ أيضاً على قيمِ التواضعِ والطاعةِ عندما يتعلّق الأمرُ بالمعتقداتِ الدينيّةِ والسياسيةِ، فضلاً عن أهميّة تنشئتهِم على الاختلافِ مع الآخرينَ بأساليبَ مُبدعةٍ خلّاقة
– يَستندُ الأساسُ الذي يبني عليهِ يوسي نقاشهُ في الكتابِ على إقناعِ الفلسطينيينَ والعربِ والمُسلمينَ بأن اليهودَ يمتلكونَ حقّاً في الوجودِ على أرضِ إسرائيل، وأن هذا الحقّ لا يقلّ في مشروعيّته عن حقّ الفلسطينيينَ في تواجدهم على هذه الأرض. إن نقاشاً يقومُ على مثلِ هذا الأساس سيُواجهُ بالرّفضِ من قِبل الغالبيّةِ العُظمى من الفلسطينيين والعربِ عموماً، لا لأنهُم يُنكرونَ الحقائقَ التاريخيّةَ التي تفضّلتَ بذكرها عبرَ كتابكَ، ولا لأن أساسيهُ في النقاشِ يفتقدُ للمصداقيّة، بل إن هذا الإنكار يعودُ لعدمِ قُدرتهِم على التعاملِ مع مشاعرِ السَّخطِ والنقمةِ التي تتملّكهُم تجاهَ اليهودِ نتيجةً لهزائمهمِ أمامَ من يعتبرونهُم أقلّ منهُم شأناً وقدراً ومَنزلة. إن هذه المشاعرَ هي نتاجٌ لسيكولوجيا غسلِ الأدمغةِ التي يتعرّضُ لها العربُ، بالتالي فإنهُ يصعبُ على أي نقاشٍ عقليّ أو منطقيّ أن يُغيّرَ مثلَ هذه المشاعرَ السلبيّةَ في نفوسِهِم
وصراحةً فإنني لا أبالغُ عندما أتحدّثُ بهذه الطريقةِ، إنني أضعُ الأمور في نصابِها الصحيح خاصةً عندما يتعلّقُ الأمرُ بالانطباعِ الذي كانَ ولا زالَ محفوراً في مخيّلةِ العربِ والمسلمينَ عن اليهود بأنّ اليهودَ هم قومٌ أٌلُ منهُم شأناً وقيمة، وعلى سبيلِ المثالِ لا الحصر فإن العربَ والمسلمينَ يترعرعونَ على ضرورةِ أن يقوموا بغسلِ أيديهِم إذا ما صافَحوا أو لامَسوا شخصاً يهوديّاً أو مسيحيّاً، كما أنه من المُحرّم عليهِم تناولُ طعامِ اليهودِ والمسيحيينَ أيضاً
في الوقتِ نفسهِ فإنهُ من المُباحِ للمُسلمينَ إقامةُ علاقاتٍ تجاريّةٍ وعلاقاتِ عملٍ معهُم. أضِفْ إلى ذلكَ وجودَ كميّة لا يُستهانُ بها من الأوصافِ الشائعةِ التي تحطّ من قدرِ وقيمةِ اليهودِ وتصِفهُم بأنهُم جُبناء وبُخلاء وطمّاعون. حقيقةً فإنّ التحامُلَ على اليهودِ هو شعورٌ مُتجذرٌ ومتأصّلٌ في النسيجِ الاجتماعيّ العربيّ، مما يعني وجودَ حاجةٍ ماسّةٍ لتضافرِ الجهودٍ من داخلِ هذا النسيجِ نفسهِ في سبيلِ التحرّر والتخلّصِ من الانعكاساتِ السلبيّة لهذا التَّحامُلِ على اليهود
إن خسارةَ ثلاثة حروبٍ أمامَ اليهودِ – الذين يَنظرُ العربُ إليهم نظرة ازدراءٍ واحتقار- كانت تجربةً صادمةً تركَت أثراً مؤلماً في نفوسِ العرب، حيث ولّدت هذه الهزائمُ توجّهاتٍ مُتطرّفةً مُتعنّتةً في المجتمعاتِ العربية، باعتبارِ أنّ سُمعة المرء وثقافةَ الشرفِ والعارِ هي أمورٌ مُتجذرةٌ وتحتلّ أولويّة كبيرةً لدى أبناء هذهِ المُجتمعاتِ، هذا العارُ الذي قد تجلبهُ هزيمةِ العربيّ من قِبلِ شخصٍ ضعيفٍ مثلاً، أو العارَ الذي تجلبهُ الأنثىً التي تسلكُ سلوكاً غير مقبولٍ أجتماعياً، أضف إلى ذلكَ أن الحديثَ مع شخصٍ بطريقةٍ غير محترمةٍ هو أيضاً أحد الأمورِ التي من شأنِها أن تَجلبَ العارَ للشخصِ المخاطب بمثلِ هذه الطريقةِ، وغيرها العديدُ من الأمور والسلوكيات التي يراها العربُ من منظور الشرف والعار
وإذا ما عُدنا بذاكرتنا لحربِ أكتوبر 1973 وما حصلَ آنذاك عندما فاجأ العربُ اسرائيلَ بضربةٍ استباقيّةٍ مباغتة، فإننا سنرى كيفَ كان ولا زال العربُ يحتفلون بهذه الضربة ويتغنّونَ بها على أنها نصرٌ مُبجّل حتى يومنا هذا
-إن مشاعرَ السخطِ والنقمةِ التي يُكنّها العربُ لليهودِ ليست نابعةً من هزيمةِ العربِ أمامَ اليهودِ فحسب، بل إنها تتعلقُ أيضاً بحالة السخطِ وعدم رضا العربِ عن حكّامهم وطريقةِ تعامُلهِم معهُم والظلم الذي يتعرضونَ له على أيديهِم، خاصةً وأن طريقةَ تعبيرِ العربِ عن مشاعرِ السخطِ غالباً ما تكونُ تجاهَ شخصٍ أو جهةٍ ليسَ لهُا علاقةٌ في الواقعِ بأسباب الظُلم الذي يعيشونهُ. وهذا بطبيعة الحال هو نتاجٌ لتنشئةِ أجيالٍ تتلوها أجيالٌ على الخوفِ المتأصّلِ في نفوسِ العربِ من التعبيرِ عن مشاعرهِم وعواطفهِم بشكلٍ عام، ومشاعرهِم السلبيّة على وجهِ التحديد
-إنّ إيجادَ حلّ يُنهي الصراعَ الإسرائيليّ الفلسطينيّ يتطلّبُ توجّهاً راديكاليّاً مُتطرّفاً قد يتضمّنُ وجودَ شيءٍ من المخاطرة، حيثُ أن الفلسطينيينَ والعربَ والمسلمينَ بحاجةٍ ماسّةٍ لمعرفةِ كيفَ يضعونَ خيارَ المجابهةِ جانباً، خاصةً وأنّهُ السلوكُ أوالأسلوبُ الذي يهيمنُ على طريقةِ حلّهم للنزاعاتِ مع الآخرين، الأمرُ الذي يتطلّبُ جُرأةً أكبرَ من قِبلِ الغربِ ودولةِ إسرائيلَ في المجازفةَ بمساعدةِ العربِ وتقويتهِم وتنميةِ مهاراتٍ اجتماعيّةٍ من شأنها أن تكبحَ جماحَ مشاعر السخطِ والنقمةِ والغضبِ والانتقامِ وغيرها من المشاعر السلبيّة من نفوسِ العربِ
ولربّما يقولُ البعضُ بأن المسؤوليةَ تجاهَ أمورٍ كهذه تقعُ على عاتقِ العربِ أنفُسهِم، لكن باعتقادي فإنه يتوجّبُ علينا رؤيةُ الواقعِ الراهنِ من هذا المَنحى، فأنا لا أرى أي طريقةٍ أخرى للقضاءِ على العُنف العربيّ في سبيلِ التوصّل لحلّ يُنهي هذا الصراع
-بالتالي فإنني أعترفُ بأن يوسي قد بذلَ جهوداً مضنيّة وقيّمةً في سبيلِ تسليطِ الضوءِ على قضيّة حقّ اليهودِ في الوجودِ على أرضِ آبائهِم وأجدادهِم وتوضيح هذه القضية بأسلوبٍ جديد. في الوقتِ نفسه فإنّ هذا المجهودَ ليسَ كافياً لوحدهِ دونما إحداثِ تغييرٍ في طريقةِ تعاطي المُجتمعاتِ العربيّة مع حلّ النزاعاتِ بشكلٍ عام، وطريقةِ تعاطيهِم مع الصراع العربيّ الإسرائيلي واليهودِ على وجهِ الخُصوص
ختاماً، فإنني أتوجّهُ إليكَم بالشكر الجزيلِ على دعوتي لقراءةِ هذا الكتابِ والإسهامِ في موضوعٍ عزيزٍ جداً على قلبي، كذلكَ فإنني أتشرّفُ بمساهمتي بهذه المساهمةِ المحدودةِ في هذه القضيّة الجادّة والهامّة. إنني أتفهُم تماماً مخاوفُ يوسي كلاين هاليفي حالَ قراءتهِ لوجهاتِ نظريَ القاسيةِ والفجّة التي صوّرتُ بها المعيقاتَ والجوانبَ السلبيّة المتعلّقةَ بالمجتمعاتِ العربية التي أنحدرُ منها أصلاً، وأنا على درايةٍ تامةٍ بأن العالمَ العربيّ والإسلاميّ يرفضُ وجهاتِ نظريّ التي صوّرتُ بها المجتمعات العربيّة، لكن باعتقادي فإنّ العربَ والمسلمينَ بحاجةٍ ماسّةٍ لسماعِ هذه الأفكار من قِبلِ شخصٍ مثلي ومن قِبل العديد ممن يشاركونني وجهاتِ النظر نفسَها
كذلكَ فإنه سيكون من دواعي سروري تبادلُ الأفكار معكُم عبر البريد الإلكتروني ، فشكراً لكُ عزيزي يوسي وشكراً لكِ عزيزتي ميخال ، أشكركُم على تفهّمكم للعقليّة والأصل الذي أنحدرُ منه
ع. عطار