رسائل إلى جاري الفلسطيني – علي العائد
في الواقع لقد شدني اسم هذا الكتاب كثيراً ، و لكن لم يكن يخطر ببالي أنني سأنتهي من قراءته بالكامل خلال بضع ساعات منذ أن بدأت بقراءة الرسالة الأولى
تشرفت بدعوة لقراءة كتاب “رسائل إلى جاري الفلسطيني” للكاتب الإسرائيلي “يوسي كلاين هاليفي” منذ مدة ، و في واقع الحال لقد قمت بوضعه ضمن جدولي الخاص بالقراءة ، و يقيناً لم يكن دوره قريب ، و لكن عندما وجدت بعض الوقت قمت بقراءة المقدمة فالرسالة الأولى ، و بعد ذلك وجدت نفسي منهمكاً في قراءته بأكملهِ و منجزاً ذلك خلال بضع ساعات
لقد كانت اللغة الدينية الإنسانية الهادفة لوجود حل منصف لتحقيق السلام بين العرب و إسرائيل ، هي من جعلتني أود معرفة المزيد و اكمال كافة الرسائل الموجودة في هذا الكتاب
ينقسم الكتاب إلى تسع رسائل بخلاف (المقدمة) و (الشكر/التعريف بالكاتب) في النهاية
و تتطرق هذه الرسائل إلى طرح الوضع الحالي بين الإسرائيليين و الفلسطينيين بكل حيثياته ، في محاولة لفرز أوجه التقارب عن أوجه الخلاف ، و محاولة فهم قضية الصراع لإيجاد حلول بطابع إنساني ديني توحيدي كما ظهر بشكل واضح هذا الأسلوب في الرسالة الأولى “الجدار الذي يفصل بيننا” ، حيث بدأ الكاتب بالحديث عن الجدار العازل بين إسرائيل و الضفة الغربية ، لينتقل بشكل مرن جداً إلى الجدار الآخر -حسب ما ظهر لي- و هو الجدار النفسي العازل ، و الذي يمكن أن يكون أكثر صعوبة في الإزالة عن الجدار الحقيقي ، طبعاً كانت هذه رسالة ضمنية بين أسطر الرسالة الأولى لم يصرح بها الكاتب و إنما ظهرت في محاولاته لفهم الأسباب النفسية للصراع من وجهة النظر الفلسطينية
أما فيما يخص ما صرح به الكاتب حول هذه الجزئية فقد كانت في نزوله إلى الشارع الفلسطيني و النظر من خلال المفهوم الإسلامي في محاولة أيضاً لفهم أسباب الصراع
اللغة المستخدمة هي لغة دينية تقاربية من حيث قضية “التوحيد” و أن الإختلافات بين كافة الطوائف الإبراهيمية ، هي اختلافات في لغة التعامل مع الرب -على حسب تعبير الكاتب- ” إنني أعتّز بديانتي اليهودّية وأفخُر بها، وأعّدها لغةً حميمّية روحانّيةً للتواصِل مع الله، لكنّي في الوقت نفِسِه أؤمُن بأّن الله يتكلُم لغات عديدةً مَع عبادهِ”
كما أشار الكاتب إلى الحق المشروع لكافة تلك الطوائف في الأرض المقدسة
لكن هناك “لهجة تبرير” -إن جاز التعبير- للوجود الإسرائيلي لاحظتها بين الرسالة الأولى و الرسالة الثانية و التي تحمل عنوان “الحاجة و الحنين” ، حيث إنتهى الكاتب في الرسالة الأولى بتوجيه دعوة لِـ “جاره العزيز” بأن يشاركه عالمه الروحي إلى أن يتحقق الحلم بالمشاركة في العالم المادي ، ثم استهل الرسالة الأخرى بذكرى دمار الهيكل ، و مقدار حزنه عند رؤيته للجنود الإسرائيليين -بغرض الحماية- و الذين يشعره وجودهم بعدم الأمان للجانب الآخر ، و ذكر حيثيات “ذكرى دمار الهيكل”كل هذا جعلني أقع في حيرة ، خصوصاً عندما أكملت القراءة ، و واصلت إلى رسائل أخرى تثبت الحق التاريخي لليهود كما ذكر الكاتب ، هذه الحيرة جعلتني أتأرجح بين اعتبار ما قرأته “لهجة تبرير” كما ذكرت سابقاً ، أو أنها محاولة “ناعمة جداً” للتقارب الوجداني بين الكاتب اليهودي و جاره العربي أو الفلسطيني المسلم
يمكنني القول بأنه من الأمور الأخرى التي أوحت إليَّ بهذا الاعتقاد ، استخدام الكاتب لنمط التعريف بالمناسبات الإسرائيلية و تقديمها في قالب تعريفي سردي كما ذكر في الرسالة الخامسة و التي تحمل عنوان “ستة أيام و خمسون سنة” عن “يوم القدس” الموافق لذكرى حرب يونيو/حزيران 1967 و ما يوافق ذلك اليوم من احتفالات .. إلى آخر الرسالة
سريعاً ما تراجعت عن إطلاق هذا المسمى و هو “لهجة التبرير” و توصلت إلى أن الكاتب بالفعل يحاول إيجاد نقاط التقاء للحوار الهادف لتقريب وجهات النظر ، و قبول الآخر و استعارة منظوره للقضية ، مع الأخذ في الاعتبار لتأكيد هذا الرأي أن الكاتب ليس في حالة دفاع أو في حاجةٍ إلى تبرير موقفه فلديه الحق التاريخي في ذلك
في الواقع لقد كنت أنوي عدم ذكر هذه الجزئية الخاصة بِـ “لهجة التبرير” خصوصاً عندما اتضحت لي الصورة ، و لكنني ذكرتها من باب الأمانة الأدبية و لأن قراءتي للكتاب تحولت من قراءة استطلاعية إلى قراءة تحليلية ، و لاعتقادي بأن هذه النقطة قد تطرأ على شريحة كبيرة من القراء ، و وددت أن تتضح لهم الصورة كما اتضحت لي
الكتاب يمثل دعوة لتقارب فكري على أساس ديني توحيدي بين الطوائف الإبراهيمية ، حاول الكاتب من خلاله إيجاد المنطقة المشتركة للحوار عن طريق المنطقة مشتركة النزاع ، و تحويل مفهوم هذا النزاع إلى مفهوم تقارب للوصول إلى تحقيق السلام
كما أن هناك رسائل تشير إلى الحق التاريخي للوجود اليهودي في المنطقة ، و بعض القضايا الإسرائيلية المعاصرة و التي توضح ماهية الطابع الخاص بدولة إسرائيل و ما إذا كانت قائمة على أساس علماني أم ديني ، (بأسلوب تحليلي اجتماعي) ، و أيضاً ذكرى المأساة اليهودية “الهولوكوست”
لا أنكر أن العاطفة المستخدمة في هذا الكتاب عاطفة إنسانية جياشة ، و لكن في رأيي أن هذه العاطفة تمثل مرحلة أولية لإذابة الجليد ، و من ثم تأتي المراحل الأخرى وصولاً إلى حوار فكري يجمع بين الأطراف المتنازعة ، يقيم أوجه الخلاف ، و محاولة الوصول إلى الحلول الوسطى بينهم
كانت قراءتي لهذا الكتاب تجربة جيدة و لقد اكتفيت عن التفصيل في كافة الرسائل بهذا القدر احتراماً لدعوة الكاتب لجميع القراء و اعطاء الفرصة لهم للقراءة و التحليل و تكوين الآراء الخاصة بهم ليتسنى لهم الاندماج في هذا الحوار الفكري