عزيزي ابن دجلة 

بداية أشكركَ جزيلَ الشكر على تعقيبك الرائعِ على كتابي “رسائلٌ إلى جاريَ الفلسطيني”، متمنيّاً منكَ أن تعذرني على التأخّر في ردّي عليك نظراً لانشغالي في السفر خارج البلاد حيثُ عدتُ للتوّ لاسرائيلّ. كذلكَ أريدُ أن أعبّر لكَ عن تضامنيّ ووقوفي مع الشعبِ العراقيّ وطموحاتهِ في نيلِ الحُريّة والأمن والامان، داعياً الله أن يقفَ معَ الشعبِ العراقي  في محنتهِ أينما تواجدَ أبناؤهُ في ظلّ هذه الأيام العصيبة التي يمرّ بها العراق

كذلكَ فإنني أتّفقُ تماماً مع ما تفضّلت بكتابتهِ في تعقيبكَ عندما ذكرتَ بأن كتابي غالباً  لن يجد آذاناً صاغيةً على الجانب الفلسطيني، لكني لا أخفيكَ بأنني ألفتُ هذا الكتاب وكلّي أملٌ أن أجدَ ولو عدداً قليلاً من الفلسطينيين الذين بامكانهِم أن يُجسّدوا برفقتي نموذجاً للاختلافِ المبنيّ على الاحترام المتبادل  بين الفلسطينيّ والاسرائيليّ،  بحيثُ نتناقشُ ونختلفُ مع بعضنا البعض حول شتّى القضايا الخلافيّة والمؤلمةِ المتعلّقة برواياتنا التاريخيّة على طرفي الصراع

وبطبيعةِ الحال فإن الفلسطينيين والإسرائيليين لن يتّفقوا غالباً على الجهةِ التي تتحمّلُ مسؤوليّة حدوثِ النكبة مثلاً، أ إذا ما كان الإسرائيليّون في وضع الدفاع عن النفس ام في وضع الهجوم في خضم حرب 1967، ولماذا تكلّلت مباحثات أوسلو بالفشل سنة 2000. لهذا فإنني لا أسعى للبحثِ عمّن يتّفقُ معي حول ما طرحته من أفكار ومواضيع في الكتاب، كما أنني لا أسعى لاقناعِ قُرّاء الكتاب بأنني مُحقّ فيما طرحته من آراء،  بل إنني أسعى لأن  يكون كتابي بمثابة نافذةٍ يُطلّ من خلالها الشعبُ الفلسطينيّ والعربُ عموماً على العقليّة الإسرائيليّة ليروا عبرها كيف ينظرُ الإسرائيليّون هذا الصراع من جانبهِم، آملاً أن أسمع تعقيباتٍ من القرّاء أقرأ فيها ما يخصّ روايتهُم التاريخيّة وهويتهُم تماماً مثلما أفعلُ أنا عبر هذا الكتاب

ولحسن الحظّ فقد وجدتُ بعضاً من الشركاء الفلسطينيينَ الذين جسّدوا معيَ هذا النموذجَ الحيّ  للاختلاف المبنيّ على الاحترام المتبادلِ بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حيثُ تحدّثتُ برفقتهم في عدّة مُحاضراتٍ ونجحنا في بناء علاقةِ صداقةٍ متينةٍ رغم اختلافِنا الدائمِ على العديد من القضايا

إن الشعبين الإسرائيليّ والفلسطينيّ باقيان هُنا مهما حدث، إذ لن يُلقيَ أحدٌ بالشعبِ الإسرائيليّ إلى البحر كما لن يُلقيَ أحدٌ بالشعبِ الفلسطينيّ إلى الصحراء. وانطلاقاً من الفكرةِ نفسها فإن  كلتا الروايتين التاريخيّتين للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي باقيتانِ رغم المحاولات اليائسةِ التي يقوم بها الجانبان لدحضِ شرعيّة الروايةِ التاريخيّة للطرفِ الآخر. ورغم هذا فإن كلتا الروايتين تزدادان قوّة ومتانةً وهو أمرٌ يمكننا تفهمه كلّياً لأن روايتنا التاريخيّة تعني مرتبطة ارتباطاً شديداً بوجودنا 

كذلكَ فإن شكلَ الحوار والنقاش بين العربِ اليهود يطغى عليه الحديث عن الماضي وحول ما قام به اجدادُنا على جانبي الصراع، وهو بالمناسبةِ حوارٌ يختلفُ تماماً عن شكلِ الحوار في الغرب الذي يُركّز غالباً على الواقع الحاليّ والزمنِ الحاضر 

إنني أيضاً أدركُ تماماً بأن عَمَلي مُقيّد بالعديد من القيود، وكلّ ما أستطيعُ فعله ككاتبٍ هو أن أحاولَ إيجاد لُغةٍ ناجعةٍ لتحقيق المصالحة، لغة يفهُمها أولئكَ الذين يتملّكهُم الفضول لمعرفةِ الجانبِ الآخر من الصراع، إذ أن السّلامَ يتحقق عادةً انطلاقاً من امتلاكنا لهذا النوع من الفضولِ تحديداً

ختاماً فإنني مُمتنٌ لكَ على إرسالكَ هذا التعقيبَ الذي يُغني الحوار الذي نسعى إليه، وأشكرك جداً على سِعةِ صدركَ وعقليّة المُنفتحة تجاه الآخر 

وتقبّل أطيب التحيات

يوسي كلاين هاليفي


 

لقراءة تعقيبِ السيّد ابن دجلة من العراق تفضّلوا بزيارة هذا الرابط