جيران بلا جدران
مقدمة
إنّي أطلُّ اليوم بإنسان كسر قناعات فُرِضَت عليه، ولم يقتنع بها يوماً، بل وحُرِّم أنّ يتدبر بها لو لساعة من النهار، ولذلك وبسبب القناعات التي بُرّمِجت عليها من بيئتي الحاقدة، حاولت أن أنظر بالمنظور السلبي لكتابك، وحاولت كثيراً أن أستنبط كل السلبيات لأغطي على كلِّ إيجابية وحسنة يحملها هذا الكتاب، كما إني حاولت كثيراً أن أهرب من الحقيقة لشدّة مرارها على مجتمعي، ذلك المجتمع الذي ترعرعت به على أن أحفر مُسرعا حفرة في طريقك حتى لو كنت ذاهباً لزيارة أبي وهو في فراش المرض، وكلُّ هذا لأنك يهودياً محتل كما يرون، ولكن هذا الكتاب ودون أدنى مبالغة، قد كسر لي كلّ هذه الجدران التي عانيتُ منها منذ نعومة أظفاري، وكان هذا الكتاب منطلقاً و مصدر الضوء لي لأواجه هذه الجدران بجرأة واقعية، كما أ تعلمت من هذا الكتاب (رسائل الى جاري الفلسطيني) أدباً درسته ولم اجرؤ على تطبيقها بعدل، وهذا الأدب هو الذي كسر قناعات لدَيّ ورثتها دون أن أقتنع بها بتدبرٍ، وهذا الأدب هو النظر من منظورين إن أردنا العدالة الحقيقية لأي قضية، وخصوصا الملف (الاسرائيلي الفلسطيني)، ذلك الملف الذي يتميّز بكثرة الإختلافات ولكنّه يبقى مجرّد صراع الحقّ مع الحقّ، وعلينا أن نعترف بذلك، علينا أن نطلب بحقوقنا وبنفس الوقت علينا أن نطالب بحقوق الآخرين أيضا، كنت تَصِفُ الفلسطيني وتنعته بكلمة (جاري)، تلك الكلمة التي تحمل في طيّاتها الكثير و الكثير من المعاني الأنسانية البحتة، لكني كنت أتجاهل تلك الكلمة وأهرب من بين السطور التي تتوهج من الحقيقة، وذلك لأنّ مجتمعي علّمني أن العدو هو العدو، والجار هو الجار، متجاهلين بالفطرة التي تجتمع كليهما ألا وهي الأنسانية، وعلمتني أيها الانسان (يوسي كلاين هالفي) كيف القلوب تلتقي رغم الجدران، والآن تحطمت الجدران لدَي، وأصبحت الجار الإنسان لكلّ ِإنسان
الموضوع : تعترف بوجودي ولا تذكرني إلا وتَصِفَني بالجار، فكيف يحقُّلي أن لا أكون جاراً لإنسان من أمة نهضت من بيت الركام؟، بل وربي هذا شرف لكلِّ إنسان، وإن لم اعترف بوجودك يا جاري فإني أنهيت وجودي بنفسي وبما كسبت يداي، ومن هذا المنطق تشكّل عنوان مقالتي (جيران بلا جدران)، قد يري البعض أنّ عنوان مقالتي مجرّد حُلم، وليكن حُلماً، فما أجمل الحُلّم المنتظر، وما أعظم السعي لتحقيقه!، لقد تحقق ذلك الحلم بالنسبة إلي عندما عرفت المعنى الحقيقي لكلمة السلام، فكم من أهداف عظيمة تحققت بتلك الأدوات المتواضعة؟، فمِنَ المؤلم أن يكون لدينا بصر، وليس رؤية، كم أعتصر ألماً يا جاري عندما أرى الجدران هي فاصل الأمان بيننا، فكيف نعيش على أرض واحدة وننظر لبعضنا البعض دون أن نُعطي لِقلوبنا الفرصة لكسر جدار الحقد الأعمى والعشوائي، فبتلك الفرصة سنقول لأبنائنا إرثا وسيكتب التاريخ، بداية كلّ طريق طويل وثاقّ خطوة، أما إن بقينا نتقن خلق الصراعات،فماذا سنُورِّث لأبنائنا؟، فسأترك الجواب لمن يسعى إلى معرفة معنى السّلام الحقيقي، فمِن هنا سيبدأ و نزرع لأجيالنا النتظرة، فالأخلاق هي العتاد الذي سيتسلّح به أبناءنا، ولذلك فإني لن أتحدث عن الدين كثيراً، مع فائق إجلالي لجميع الديانات التي تتكَّلَف مصدراً للضوء في سلوك الأنسان وطريقه في الحياة، وسأتحدث أكثر عن أثار الدين في سلوكنا ومناهجنا في الحياة، فالدين كله اخلاق فَمَن فاقك في الأخلاق فاقك في الدين، فالأخلاق هي مَن تخلف الدولة والقوانين وسلوك الأنسان، فنحن يا إخواني العرب لم نختار لوننا أو جنسنا، فلماذا لا نختار طريقنا ومنهجنا في الحياة، ولماذا نحاسب أنفسنا على أشياء لم نختارها؟، فالفطرة التي تجمعنا حتماً هي الأنسانية يا إخواني العرب، فإني أتسائل دوما يا إخواني العرب، إذا تقاتلنا وتحاربنا مع إسرائيل وبقي أحد من الطرفين وهو نحن على سبيل المثال ونَفَيّنا بني إسرائيل، فَمَع مَنّ سنمارس معاني الأخلاق السّامية؟، ومَع مَن سنجسَد معاني التعايش و التسامح؟، هذه الأخلاق التي تعلمناها منذ نعومة أظفارنا ولم نراها على أرض الواقع مع جيراننا، إلى متى ستبقى هذه التعاليم في قواميسنا وكتبنا فقط دون تطبيق أيٍّ منها؟، فبلأخلاق سنحطم هذه الجدران، وسنبني السلام، سنمضي قُدُماً مع جاري الأنسان، ستكون الأخلاق روحنا الباقية، وأستشهد هنا بقول قائل
مَن عاش صفراً من الأخلاق والأدب يحيا فقيراً ولو يمشي على الذهبِ
ما قيمة المـــرء إلا طيب جــوهــره لا ما حــواه مِن الأموال والحسبِ
ويقول قائل ايضا
يــومـا سيـنظر فــي كـتابـك قـارئ ليــذيــع ســيــرة كــاتــب اوراق
فــاجـعلـهُ يُــخبِــر أن ثـمّـة مَـيّـِتـاً يـحيـا بفـضـل مكــارم الأخــلاق
فمِن هنا ستنطلق بأبنائنا نحو جيران بلا أيِّ جدران روحية أو معنوية، فمن المؤسف أن نضع حكماً للطبيعة، ولم نستطيع أ، نحكم أنفسنا أولاًن والآن سأتحدث عن معنى من معاني الأخلاق السامية تجاه جاري الإنسان الا وهي السّلامن هذا الخُلق الذي سيسطع غمام قلوب جاهلين، بَل وسيحطم الجدران بين قلوبنا يا جاري الإسرائيلي وسيلمع به مَعدَن الإنسان، ومع تعدد الأديان، فقد اشتركت هذه الأديان بجوهر السّلام، فحان الوقت لإعطاء قلوبنا الفرصة لتلتقي بالسّلام ورغم الجدران يا جاري الإسرائيلي يا جاري الإنسان، صحيح لم نَرِث السّلام من مئة عام، ولكن صنصنعه بأنفسنا سنكتب التاريخ لأبنائنا المُستنزَخَة يا جاري الإسرائيلي، فسيكون التصميم والإصرار والتحسين المستمر بوصَلَتنا، فالسّلام لا يعني انتهاء إختلاف وجهات النظر، فَقَد يرتقي رأي، وما أعظم الإرتقاء لعالم الفضاء، وقد يسقط رأي، وما أجمل سقوط المطر!، فنحن يا جاري الإسرائيلي وُجِدّنا لنكمِّل بعضنا بعضاً، فجميعنا يعاني من نقصن قد يجدله حلاً عند جاره الإنسان عن طريق السّلام، سنترك معاًيا جاري الإسرائيلي الأثر في كلِّ خطوة، فما اجمل صياغة الماضي لأجيال طموحَها القتال، والتَغَنِّي بإنهاء وجود الآخر، شِئنا أم أَبينا فإنّ السّلام سيحطم الخزائن المملوءة بالحقد العشوائي، لأنّه ببساطة لا يعرف الفشل، بل يعدّ الفشل نصيحة للمضي قُدُماً، كما يجعل من الفشل بارقة أمل في زمن لا يكاد يخلو من الصراع، فقد نختلف أحياناً، وفي مبدأ السّلام سنقبل ونحترم بعضنا بعضاً
السّلام جوهرنا ومبدئنا وفطرتنا، بالسّلام فقط سنتعايش ونتقاسم ونسمع بعضا، ونقبل بعضا، وبالسّلام ستلتقي رؤى القلوب رغم الجدران، فهذا بعض من معاني جوهر أدياننا وفطرتنا الإنسانية ألا وهو السلام، فيا جهل مَن في غَفلة عنه سَهَى، فمَن يجهل معنى السّلام فسَيتعامل معاملة الوباء من توعية وتنقية مِن الجهل، وأمّا مَن يتجاهل المعنى الحقيقي للسّلام لجدرانه الروحية الحاقدة التي تَكمن في قلبه فأقول له : يا أخي الإنسان إن السّلام دواؤك لا محالة وبالسّلام فقط سينتهي صراع دام مئة عام وهو صراع الحقِّ و الحقِّ(الإسرائيلي-الفلسطيني)، ولن ينتهي هذا الصراع بإقتسام الأرض فقط، لأن السّلام عقيدة وفطرة تجمع الإنسان والأديان، فكيف لي كإنسان مُتَسالم أن لا أعرف بوجود جاري الإنسان الإسرائيلي من أبناء أمّة عُرِفَت بعالميتها ونهوضها من بيت الركام، والتي تَتبعُ لديانة أجلُّها من الديانات الإبراهيمية، تلك الديانة التي تُظَلِّل بنورها علينا كجيران متسالمينن، فوجود قَبرِ أبينا إبراهيم في منطقة خليل خليل السّلام، فهدا وربّي مثال لنلتقي بتعايش وتشارك فلماذا لا نلتقي ونزرع معاًونحصد معاًظ!، كيف لنا أن نخفي وجود بعضنا؟!، فطالما تَعَدُّد أدياننا وعقائدنا هي بحدِّذاتها مثال للسّلام، فلماذا لا تحطّم الجدران ونعطي قلوبنا دون بخل فرصة تُسَطِّر أجمل المعالني للسّلام وتلتقي بعد طول انتظار؟!،لماذا لا يكون السّلام مُقابل السّلام وليس مقابل الأرض فقط؟!، كيف سنحطّم جدار الإسمنت على الأرض دون أن نحطِّم جدار الحقد الذي يحتل قلوبنا؟!، وإني يا جاري الإسرائيلي أُبشرُّك بأننا سنحطّم جدار الإسمنت بيننا معاً يداً بيدٍ، لأنه وببساطة هذا الجدار حالة مؤقتة أُستِنزِفَت من حياتنا، وليست طريقة حياة لجيران يظلّلهم جوهر السّلام، فطريقنا يا جاري الإنسان واحد، المسيرة معاً يداً بيد هو السّلام بِحَدِّ ذاته، فدورُ العبادة المُتعَّددة في الوطن الذي يَحتَضِنُنا جميعا يا جاري الإسرائيلي الإنسان سطّرت أجمل تَلاقي للقِيَم المشتركة بينها، ولم تعني يوماً هذه الدُور المُشتعة بالسّلام أننا غرباء، بل تعني أن هناك قلوب تَنعَش و تَنبِض بالتعايش، وتعني أن هناك ضمير ينادي بشجاعة للوحدة وحُسنِ الجوار، فمهما توالت الحروب، وتوالي الرؤساء، فسيبقى الوطن حاضناً لنا جميعاً بقلب يَنبِض بالسلام
قد يطول الزمن لوجود حلٍّ لصراع ما، وما أعظم السعي المنبثق عن الأمل والطموح البنّاء لإنهائه، وهنا تَتَكَمَّم الأخواه،وتتحدث المعادن التي لا تضحي بإنسان من أجل غابة، فكان الحروب نتيجتها عدم تحديد صاحب، بل مّن تَتَبقَّى، فإني أتسائل لماذا الحروب تُخَلَّف جُثَثاً و ضحايا ولا تخلق أصدقاء تنعم وتتسلّح بالسلام، ويكون وَقُودُهم قبول الآخر وإحترامه، والتفاهم والتشارك في البِناء والانجاز من جديد؟!، فإني على يقين يا جاري الأسرائيلي الإنسان بأن إذا اجتمع حبُّ طرفي الصراع المتَعلِّق بالوطن في قلب واحد، وفي جسد واحد فسينتج الوطن المثالي، وكذلك الإنسان المثالي الذي تغلبَ على مكايد نفسه في سبيل وطنه و أبناء وطنه، وهذا وربِّي ليس بمعجزة إن كان السّلام بُوصَلَتِنا، فالإنسان المتسالم يدرك تماماً أهمية أخيه الإنسان وتعلّقه في وطنه، وإني على يقين يا جاري الإسرائيلي الإنسان، أنّ فرصة السّلام المتاحة لنا في كل وقت إن إغتنمناها، فلن يكون هناك بارقة أمل لأيِّ إرهابي جاهل بأن ينهض من جديد على جثث وضحايا أجيال متلاحقة من أبنائنا المُستَنزَفَة، فلنبدأ يداً بيد بتحطيم الجدران من الآن،ونكون المثال المحتذى به في هذا الزمان العصيب
الخاتمة، وسأُخَصصها لكم يا إخواني العرب أينما كنتم، فإني وربّي لا أنقد من أجل النقد، بل لتنير الطريق لبعضنا بعضا، فقد أجرح شخصاً بالصِّدق، ولكنّي أبداً لا أنقد من أجل النقد، بل لتنير الطريق لبعضنا بعضا، فقد أجرح شخصاً بالصِّدق، ولكنّي أبداً لا أسعِدَهُ بالكذب، وأعلم أنّ بعضكم يودُّ أن يسألني : هل بعت هُوِيتَك؟، واودُّ أن أجيبهم : بل الآن حصلت عليها عندما أدركت معنى السّلام الحقيقي، و يودُّ بعضكم أن يسألني أيضا : كم دفعت لك إسرائيل وغيرها؟ وأودُّ أن أجيبهم : ان السّلام لا يُشتًرى إلا مِنَ القلب، وليس كما تظنون، فوربّي لن تجدوا الهدوء ابداً، إن كان مصدرا لضجيج اعماق قلوبكمن والحقد في القلب كالوعاء الدي يحوي الأسيد، فإنه يحرق نفسه قبل أن يحرق الآخرين، فالإحتلال ليس كما تظنون على الوطنن بل الإحتلال مَوطِنُه القلوب، فإمّا أن يحتلّ الحقد قلبك، وسينعكس ذلك على الوطن والبشرن وإما أن يحتلّقلبك قبول الآخر ويتآلف معه، وينعكس ذلك على الوطن والبشر أيضاً، وشتان شتان بين نتائج الإحتلالين، فلماذا يا إخواني العرب قلوبنا تَحمك مِنَ الحِقدِ أطناناً وتتظاهر بالسّلام؟!، ولماذا لا نعترف بأخطائنا، وإن إعترفنا بها فلا نَرجِع عنها؟!، لماذا يا إخواني العرب نستذكر هزائم الماضي دون أن نحترمه ونتلقى منه ايجابياته وتعيد صياغته ونبدأ من جديد؟!، لماذا نَفتَقِر لروح القيادة الساعية والمسؤولية المشتركة لأبنائنا؟!، فإنّ أطفالنا أصبحت لا تميز بين القنابل التي تَقتلهم وبين الألعاب النارية، فمتى سننقذهم أرجوكم؟، أم يا إخواني العرب انطبق علينا قول الشاعر وائل جحا
مات الضمير وتبلد الإحـسـاس واستنزفت أعمارنا الأنفاس
هل غادر الإنسان مِنّا يا تُـرى أم ساد في أخلاقنا الإفـلاس
بِعنا الأخوة بالرّخيص مِنَ الدّنا أيُباع بالمال القليل الألماس
فَهـلا تفـكّـرنــا بـمـوت مـقـبــلٍ لا لن تصدّ سهامَه الحراسُ
فهـناكَ تُجـزى كلُّ نفـسٍ ما لـها وبذاكَ تبـكـي ماجـنتهُ النـاسُ
متى ستبدأ يا إخواني العرب؟ متى سنهدم الجدران؟ هل مِن مجيب أرجوكم؟ وأخيراً، لا يفوتني أن أهنئ إخواني و جيراني (يهودي اسرائيلي والعالم) بالسنة العبرية الجديدة المباركة، راجياً مِن ربي أن يأتي ذلك اليوم المُنتَظر لأهنئكم ببيوتكم المضيافة
الإهداء: لكلِّ شخص و إنسان يسعى لمعرفة معنى السّلام
مع أطيب التحيات
إياد من الأردن
—————————————————————————————————————