هذا ردّ يوسي كلاين هاليفي على تعقيب السيّد عبد الله من الكويت. لقراءة تعقيب السيّد عبد الله كاملاً تفضّلوا بزيارة هذا الرابط

عزيزي عبد الله

بداية أشكرك على وقتك وجهدك الذي امضيته في قراءة الكتاب ، كما واشكرك على رسالتكَ التي تعبّر عن مدى حبّك وصداقتك للشعب اليهوديّ. ولأكون صريحاً معكَ فإنني مُعتاد على أن انظر بعين الريبة والحذرِ لليدِ التي تمتدّ لصداقتي من قلبِ جحيم الصراعِ العربيّ  الإسرائيلي، إلا أنني قبلتُ أن اصافحَ يدكّ الممتدة لصداقتي وأمدّ لك يد صداقتي بكل سرور

كذلكَ فإنني أتفهَم وأقدّر سخطك وغضبكَ على الحركة الوطنية الفلسطينيّة وقيادتها التي طعنَت الكويت في ظهرها في واحدٍ من أصعب الأوقات التي مرّت بها خلال الغزو العراقيّ لها بقيادة صدام حسين، حيثُ وقفَ ياسر عرفات في صفّ صدام حسين بكل صدق وحماسة على الرغم من التاريخ الطويل لدعمِ الكويت للفلسطينيين

أنا ايضاً تنتابني مشاعر السخط على والغضبِ على القيادة الفلسطينيّة والحركة الوطنية الفلسطينيّة التي كانت ترفضُ كل حل ومقترحٍ للسلام كانت اسرائيل تضعهُ على الطاولة، حيث لطالما كانت القيادة الفلسطينية ترفضُ جميع الحلول دون أن تطرحَ بديلاً للحلّ الذي يتصوّرونه من جانبهم، خاصة عندما يتعلّق الموضوع ببعض القضايا الشائكة مثل قضيّة عودة اللاجئين، حيث كنت أسأل نفسي إلى اين سيعودون؟ إلى إسرائيل أم إلى فلسطين؟

انها نفسُ مشاعر الغضب والسخط التي أشعرُ بها عندما استذكر عقوداً طويلةً من الارهاب الفلسطينيّ، لكنني عندما قررتُ مخاطبة الشعب الفلسطينيّ بكلمة جاري فقد قررتُ أن اسيطر على مشاعر الغضب والسخط تلكَ، لكني صدّقني عندما أقول لكَ أن ذاكرتي قويّة جداً ولم أنسَ الماضي، وهذا هو حالُ الغالبية العظمى من الشعب الإسرائيلي 

لكن في الوقت نفسه لا يمكننا تجاهل القَسوة على جانبي الصراع، لا على الجانب الإسرائيلي وحده. لقد عانى الفلسطينيون قسوة ووحشية هذا الصراع وهذا أمرٌ لا أسمحُ لنفسي بنسيانه أيضاً. كذلك فإنني اصرّ على اهمية التفريق بين القيادة الفلسطينيّة وعامة الشعب الفلسطينيّ  الذي مثلما يضمّ من يرغبون بايذائي فإنه يضمّ أيضاً أولئكَ الذين يودّون الحياة والعيش معي بسلام

إنني لا أملكُ أي خيارٍ آخر عزيزي عبد الله، فالفلسطينيون هُم جيراني تماماً مثلما لا يمتلكون أي خيارٍ آخر لأنني أنا جارهُم ايضاً، وهذا هو الواقع سواء شئنا أم أبينا، وهذه هي الحقيقة المرة التي تُزعجُ كلا الشعبين الذين يتمنى كلّ منهما أن يستيقظَ من النوم ليجدَ الشعبَ الآخر مُغادراً هذه الارض إلى كندا أو استرالياً او أي مكانٍ آخر

لكن هذا لن يحدثَ أبداً، فنحنُ عالقونَ مع بعضنا البعض على هذه الأرض، إننا نبدو مثل التؤأمين المُلتصقين ببعضهما البعض والذان يرغبان بالانفصال عن بعضهما في حين أنهما يعلمان أن حياة كل منهما متاخلة في حياة الآخر وقدرهِ

من ناحيةٍ أخرى فقد تملّكني الشعور بالألم والحزن يتملكني حين قُلتَ في رسالتك بأنه يجبُ على الفلسطينيين أن يبقوا في مخيمات اللجوء. إنني أريدكَ ان تُدركَ تماماً يا صديقي عبد الله أنه لا يجبُ أن يعيش أي انسانٍ في مخيمات اللجوء تحت أي ظرف ، لا يجبُ أن يولدَ الأطفال أو يترعروا في مثل هذه المخيمات أيا كانت الظروف

إنني اؤمن جازماً بحقّ إسرائيل في العودة إلى ارضهم، ومثلما تعلمُ فقد قُمنا بشراء كل قطعة أرضٍ أقمنا عليها دولتنا سنة 1948، ومن ثم جاءت الحربُ وعواقبها عقب ذلك. إنني لا اشعر بالذنب تجاه النجاح الإسرائيلي في إقامة دولة إسرائيل، لكني في الوقت نفسه أريد لهذا الجرح أن يلتئم أو على الأقل أن نتعامل مع هذا الجرح بطريقة تؤدي إلى شفائه. لهذا يجبُ علينا أن نحاول المضي قُدُماً في هذا الطريق ، لكن إسرائيل لا يمكنها المضي وحدها فيه، فنحنُ بكل تأكيد بحاجة للعالم العربيّ حتى نتعامل مع العواقب السياسيّة والاقتصاديّة التي خلّفها هذا الصراع

ختاماً وتلخيصاً لرسالتي إليكَ فإنني أقدر جُرأتكَ في تعبيرك العلني والواضح عن موقفكَ من إسرائيل، وفي الوقت نفسهِ أتفهم ما يتملكك من مشاعر غضبٍ وسخطٍ على الفلسطينيين. لكني في الوقت نفسهِ أؤمنُ بضرورة تبنينا لأساليب خالية من التعميم وتأخذ بعين الاعتبار الفروقا ت في مواقف كل شعب. وباعتقادي فإن موقفكَ من إسرائيل سيكون أكثر مصداقية في العالم العربي اذا كان بإمكانكَ أن تنظر للفلسطينيين – بخيرهم وشرهم – على أنهم مخلوقاتٌ من من مخلوقات الله التي خلقها في صورته، تماماً مثلما تصفُ لنا التوراة البشر، هذا الوصفُ الذي يمنحنا الأمل بإمكانيّة التغيير بين جميع البشر

 

مع أطيب التحيات

يوسي كلاين هاليفي