تعقيبي على  كتاب رسائل  الى جاري الفلسطيني للكاتب يوسي هاليفي – صلاح من فلسطين

حقق السيد يوسي هاليفي كونه صحفياً نجاحاً كبيراً في تقديم الرواية اليهودية .السرد جميل وسلس  ومحتوى وظف فيه الكاتب كافة النظريات الاعلامية من الغرس الى التنقيط  الى التكرار واستحضار الرموز والصور واستبدالها عند اللزوم ، الى الهالة القدسية والتضخيم والطهارة  والتبريرعندما يكون هو الفاعل الي التصغير والتهميش اذا كان الاخر .
كما نجح الكاتب بتصوير اليهود بأنهم ابطال وضحايا وقصة الجندي الاثيوبي شمعون الذي داس على قدمه الجندي السوداني مع ان يهود الفلاشا تم نقلهم بعملية موسى بالتعاون مع النظام السوداني ايام جعفر النميري، شمعون هذا لم يسأل من اين جاء سكان مخيمات غزة ولماذا هم بؤساء كما سرد قصة الارملة الكردية التي تحملت عناء الطريق هي وابنتها الصغيرة الى ان وصلت الى ارض الميعاد من كردستان على حمارها وكذلك الاثيوبيات الواتي جئن مشيا على الاقدام واليمنيين الذين لم يرو الطائرة من قبل فتحققت بهم معجزة التوراة التي تقول بان اليهود سيعودون الى وطنهم بواسطة طيور مجنحة 
 
 اضافة الى الحجب والابراز والتضليل، فالكتاب خطاب اعلامي يهدف الى تشكيل الرأي العام وتغيير الصورة النمطية عن اليهود والصهيونية واسرائيل .الكتاب يجب ان يوجه الى اليهود اكثر من الفلسطينيين لانه يحكي الرواية و الايديولوجيا اليهودية ويحجب الرواية الفلسطينية على الرغم من طغيان حضورها على حاضر ومستقبل اليهود

– حاول الكاتب منذ البدايه ربط اليهود بالله وبابراهيم وسارة مع ان المسافة بين ابراهيم ونزول التوراة على النبي موسى حوالي 700سنة وبينه وبين يغقوب 600 سنة اي لا علاقة لابراهيم باليهودية .ذكر الكاتب قصة كشف الله وجهه لليهود في سيناء، مع ان الحقيقة ان اليهود ارادوا تعجيز موسى عندما طلبوا منه ان يرو الله فأخذتهم الصاعقة  بظلمهم وبعد ذلك خدعوا موسى وعبدوا العجل الذي اعطاهم اياه السامري بعد ان غاب عنهم موسى معتكفا اربعين يوما في عبادته،حيث كانوا مماطلين ومتشككين وقصة البقرة دليل على ذلك

– حاول الكاتب تثبيت ان اليهودية قومية وهذه اصلا مشكلة الصهيونية منذ بدايتها وكل التفسيرات التي ساقها غير موفقة فالقومية والعرق  لهما مواصفاتهما .اليهودية والاسلامية والمسيحية والصابئة وبقية الاديان لا يمكن ان تتحول الى قومية بالتقادم هذا دين.وهذا ليس بعداء للسامية فحركة الاصلاح اليهودي في القرن التاسع عشر اعتبرت اليهودية عقيدة دينية فقط وهذا ايضا موقف الحريديم وهذا ما اشار اليه المؤلف في الرسالة الثالثة. اذا  حتى القرن التاسع عشر لم يحسم موضوع القومية.

– كذلكَ فقد لجأ الكاتب الى الرواية الدينية كثيرا لضعف الحجة التاريخية ، وركز على الوعد الالهي مع ان الله طلب من اليهود ان يتجنبوا بطش فرعون بالذهاب الى فلسطين حيث كانت بلدا مزدهرا وآمنا وليس لاقامة كيان سياسي .الكاتب  كان ملزما  بحجب الرواية الفلسطينية لغرس صورة ذهنية مغايرة مكررا ان هذه البلاد كانت فارغة وان المناضلين الصهاينة فلحوها وزرعوها واستشهد بالصور التي بحوزته وهي بالمناسبة موجودة لدى كثير من اليهود.نسي الكاتب ان فلسطين كانت منارة سياسية واقتصادية وثقافية وكانت حيفا ويافا والقدس وغزة مراكز اشعاع.الكاتب استخدم ما روجته الصهيونية بان الارض فارغة وغير مأهولة وهذا امر طبيعي فمصر كانت في ذلك الوقت 20 مليون واليوم مائة مليون والدول كانت فقيرة بسبب الحروب والاستعمار ومع تحسن الاقتصاديات والصحة وتطور العلوم تغير وضعها.

– حاول الكاتب تثبيت ان هذه الارض هي ملك لليهود بحكم وعد الاهي  واستخدم كثيرا مصطلح السكان الاصليين والغرباء واسقاط مصطلع السكان الاصليين على اليهود الاتقياء الانقياء والغرباء على الضعفاء الفلسطينيين .وهنا يقوم اليهود باسقاط نفسي بمحاكاة افعال الفراعنة ضدهم على الفلسطيني.ولم يذكر ان السكان الاصليين لارض فلسطين هم الكنعانيون ، وقد نسي الكاتب ان فلسطين والفلسطينيين ذكروا في سفر صمؤيل الاول 152 مرة تقريبا، مع ان اليهود يترجموها الى غير ذلك للتضليل

كما كرّر الكاتب عبارة الصهاينة واليهود الحالمين العائدين الى موطنهم الاصلي وان لليهود دولة واحدة اما الفلسطينيين فلهم امتدادهم العربي

الكاتب كونه جاء الى البلد سنة 1982 وهو في ريعان الشباب  هوضحية الفكر الصهيوني المضلل القائم على اقصاء الاخر .الكاتب كحال اليهود مسكون بالخوف وهاجس الامن الذي يدفعه الى الاستيلاء على الارض واستيطانها وعدم الثقة بأحد ، فالحلّ مع الفلسطيني مؤقت ولن يكون اليهود  سذجاً ويخالفوا التوراة بوضع مصيرهم بيد اعدائهم

انتهيت من قراءة الرسائل الخمسة الاخيرة  واتفق تماماً مع السيد هاليفي بما ذهب اليه ولو طلب مني الكتابة اليه فلن اكتب اقل مما كتب. الغريب في الموضوع ان السيد هاليفي صحفي وانا كذلك اعلامي ، وانه جاء الى اسرائيل عام 1982 وهو نفس العام الذي ذهبت فيه الى لبنان متطوعا في الحرب التي شنتها إسرائيل على منظمة التحرير حيث كنت طالبا في الجامعة،وشهدت قساوة الحرب وما خلفته من دمار وضحايا وكنت أسأل نفسي هل حقا سأطلق النار على جندي إسرائيلي واقتله ؟هل أستطيع ان افعل ذلك ؟وكنت أشجع نفسي واجد المبررات ولكن في داخلي كان الجواب لا لن تجرؤ على قتل انسان. هذا احدث عندي تحولا بأنه يجب ان يكون هناك وسيلة أخرى نحقق فيها هدفنا بالحرية وإقامة الدولة وان  السلام هو الحل. مع ان مجرد التفكير بسلام مع الإسرائيليين في ذلك الوقت كان يعتبر خيانة. بعدها تسارعت الأمور وبدأ عرفات يتجه نحو الحل السلمي بشكل عملي الى ان وصلنا الى اتفاق أوسلو. هذا الاتفاق لقي معارضة شديدة من الفلسطينيين والعرب كونه كان سريا وخرج للعلانية فجأة. عاد عرفات الى غزة واريحا وعدنا معه وبدانا عملية بناء مؤسسات الدولة واستطاع عرفات اقناع الناس بأن إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس  تلبي الطموحات القومية الفلسطينية .وانطلق الجميع في عملية البناء

اغتيال رابين كان مؤشرا على تغلب  جناح المتطرفين على جناح دعاة السلام وبدأت الحكومة الإسرائيلية الانسلاخ التدريجي عما اتفق عليه في أوسلو والذي كان سيفضي الى قيام دولة في العام 1999.تراجع الاسرائيليون شجع المتطرفون من كلا الجانبين على القيام بأفعال وردود أفعال أدت في النهاية الى اندلاع الانتفاضة الثانية في العام 2000 وادت أيضا الى صعود التيارات الدينية المعادية لسياسة عرفات والمعنية بفشل مشروعه السياسي .وكذلك تولى الصقور في إسرائيل زمام الأمور. وبدأت إسرائيل بتدمير ممنهج للمؤسسات الفلسطينية المدنية والعسكرية فكلما حصلت عملية في إسرائيل سارع الجيش باستهداف السلطة، وترك الفاعلين الى ان تنامت التيارات الراديكالية وسيطرت على غزة . بعد موت عرفات وصعود محمود عباس أعاد التواصل السياسي مع إسرائيل وبقية اللاعبين وأعاد بناء المؤسسة المدنية والعسكرية والتزم بالتنسيق الأمني مع إسرائيل الى الان على الرغم من الموقف الإسرائيلي السلبي منه وانسحاب إسرائيل احادي الجانب من غزة والشروع ببناء الجدار استعدادا للفصل مع تشديد قبضة الاحتلال على غزة والضفة التي مست بتفاصيل الحياة .عباس أعاد ترويض الناس ولا يكف عن الدعوة الى السلام حتى انه يقول بديل السلام هو السلام.اعطوني دولة لشعبي وخذوا دولتكم سموها يهودية او ربانية هذا شأنكم.عباس لا يسمح بالعنف ولا بالتحريض فهو يطارد المتطرفين . عباس لديه لا يقل عن 50 الف من منتسبي الأجهزة مدربين ومسلحين ولم يطلق احد منهم النار على إسرائيلي حتى لم يسجل اي حالات فردية وهذا دليل ان العقيدة الأمنية الفلسطينية هي عقيدة سلام 

انت ترى يومياً الجيش يدخل وسط المدن الفلسطينية ولا احد يعيره اهتمام في حين بإمكان الناس مواجهته بالحجارة والرصاص وهذا ليس بالأمر الصعب.هذا دليل ان السلطة الفلسطينية تنشر ثقافة السلام وانا ادعوك لمتابعة وسائل الاعلام واتحدى ان تجد محتوى يدعو الى العنف 

ان استمرار حالة اليأس والصعوبات الحياتية اليومية للفلسطينيين ،بسب سياسة الاحتلال قد يعيدنا الى دوامة عنف لا تحمد عقباها. تصور ان أمريكا أوقفت الدعم المالي للسلطة وإسرائيل احتجزت أموال المقاصة والسلطة تدفع نصف راتب لموظفيها مما فاقم الازمات الاقتصادية والمعيشية

 
عباس آمن بالسلام منذ العام 1965 وبقي على هذا المبدأ الى ان أُتيحت له فرصة قيادة المشهد الفلسطيني وتحقيق رؤيته، حيث أشرت في رسالتك الخامسة الى اننا يجب ان نخرج من دوامة التجاهل لحقوق بعضنا في تقرير المصير علينا ان نقرر اختراقها معا وكما اشرت في رسالتك الثامنة الى التعايش والقلق من المستقبل بسبب ضياع فرص السلام. أنا احمل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن هذا الضياع لأنها دولة وتمتلك القوة لإعادة الأمور الى سابق عهدها في حال فشل السلام. عليها ان تبادر الى إقامة دولة فلسطينية والعالم سيرقب التجربة فاذا نجحت نجحنا واذا فشلت ينتهي الامر.اما ان نبقى اسرى المخاوف والتكهنات فإن ذلك سيزيد من حدة معاناتنا المجانية

اما بخصوص العرب والعالم الإسلامي فموقفه من إسرائيل مربوط بالموقف الفلسطيني .وهناك المبادرة العربية التي تقدم بها ملك السعودية الراحل عبدالله والتي تطالب بإقامة دولة فلسطينية مقابل الاعتراف بإسرائيل كجزء من الشرقالأوسط وتطبيع العلاقة مع العالمين العربي والإسلامي, نحن الفلسطينيون جاهزون للسلام والموضوع لن يستغرق سوى نصف ساعة وهي المسافة ما بين رام الله والقدس للتوقيع ومباشرة التنفيذ. دولة فلسطينية منزوعة السلاح والحدود بإشراف امريكي ودولي،فلِم كل هذا الخوف اما القدس فموضوعها سهل وانا مؤمن بأن السياسي يوظف الديني لخدمته وموضوع القدس الحقيقي اقتصادي فهي بمثابة بئر بترول لمن يمتلكها ولوكان المسجد الابراهيمي يحظى باهتمام السياح لأصبح مشكلة مثل القدس. بالنسبة لوضع غزة حال قيام دولة فإنها تصبح من مسؤوليتها ومشكلة داخلية وعندها سينزع سلاح حماس وغيرها حسب النظام والقانون ،حتى لو استدعى الامر طلب تدخل دولي  مع العلم ان حماس تعترف بدولة على حدود 67 وهي تطمح لتزعم المشهد السياسي الفلسطيني اما موضوع اللاجئين فقد اجل للمرحلة النهائية فهناك اكثر من سيناريو لحله بتوافق الطرفين اما التعويض او عودة رمزية مع عودة الى الدولة الفلسطينية 

 
اما بخصوص ما وصفناه بتبدل مواقف عدد من الدول من إسرائيل فأن ذلك مردّه الى سياسة إسرائيل واستخدامها القوة المفرطة ضد الفلسطينيين الامر الذى تسبب بتنامي الحركات المناهضة للسياسة الاسرائيلية ودفع العديد من المتضامنين الأجانب الى القدوم الى الأراضي الفلسطينية للتعبير عن احتجاجهم. احدى الصحف الإسرائيلية نشرت ان ثمانين بالمائة من الاسرائيليين يخفون جنسيتهم عند سفرهم للخارج نتيجة لسياسة حكومتهم. العالم اليوم قرية صغيرة لا يمكن فيه إخفاء او حجب ما يجري. حركة مقاطعة إسرائيل التي شكلها سياسيون ونقابيون وطلاب وأكاديميون هي في اتساع يثير قلق الحكومة الإسرائيلية. حلفاء الامس الذين تبنوا قصتك يتبنون اليوم قصة الفلسطيني في سياقها الإنساني. نحن الفلسطينيون لسنا بحاجة الى الدخول في جدل الهوية والقومية ومن هم اليهود وما علاقة الله بهم حتى يتبنى قضيتهم وهل الله فعلا يوزع عطايا على جزء من خلقه وحتى المسلمين هل الله اعطاهم تفويض حكم البشرية وهل الله يقبل ان يقتتل عباده من اجل مرضاته .لنتحدث بعيدا عن الهالة الدينية التي وظفها السياسي لخدمة اجندته.اومن اين جاء جيرانناوهل كل الذين هاجروا فعلا يهود ام ان الهدف كان زيادة عدد السكان وهذا ما اثاره  اليوم الأربعاء ليبرمان بأن نصف المهاجرين اليهود من الاتحاد السوفيتي ليسوا يهود جاء ذلك في مقابلة لشلومو غانور على قناة دوتشي فيليه الالمانية! ونحن نعرف ان كثيرا من مهاجري اثيوبيا مسلمين ومسيحين وكذلك من جاؤوا من أوروبا. نحن واقعيون هناك مشكلة بحاجة الى حل وعلينا معا التفاهم على حلها وتجاوز العقبات والمخاوف وكل يختار طريقة عيشه. جنوب افريقيا بعد ثلاثة قرون او أكثر اتفق البيض والسود على حل مقبول وانتهى الامر وأصبح الأبيض افريقي.الاتحاد الأوروبي أزال الحدود والنموذج الأمريكي والكندي والاسترالي مقبول. الفلسطيني بدأ نضاله بالتظاهر ومن ثم بالحجارة وبالرشاش والقنبلة المحلية الصنع وبعدها بالصواريخ والطائرات المسيرة وغدا لا تعلم كيف تتطور الأمور. السلاح اليوم متوفر من سيناء ممكن تضرب ومن لبنان ومن الأردن وسوق السلاح لمن يدفع.لماذا نترك مصيرنا بيد الموتورين لماذا نعبد لهم طريق مأساتنا لماذا!انا لا اريد ان اتحدث في القومية اليهودية ولا بالسكان الأصليين ولا ببلفور والانتداب البريطاني ولا بسايكس بيكو ولا بقيام دولة إسرائيل بالتزامن مع قيام دول الطوق ولا بدورالعرب بإقامة إسرائيل وتجهيز مخيمات اللاجئين وترحيلهم بحجة عدم تعرضهم للأذى بسبب الحرب التي سوف يشنوها علىاليهود ولا بدور بريطانيا المركزي بمنع الفلسطينيين من التسلح ودعمها المطلق للمنظمات الصهيونية ، ولا لبؤس الفلسطينيين في مخيمات سوريا والعراق ولبنان والأردن ومصر والضفة وغزة  .اما الهولوكوستفلا احد ينكره فهو عار على جبين الإنسانية وانا اطلعت على محاكمات النازيين وقرات شهادات يهود كانوا في المعتقلات النازية ومهندسين وفنيين .ما قرأته وارجو ان لا تغضب ان الرقم مبالغ فيه وان من تم احراقهم هم الموتى المصابين بالتيفوئيد وهم من مختلف الجنسيات وان المهندسين قالوا في شهاداتهم بانه من ناحية فنية لا يمكن حرق مثل هذا العدد. والسؤال الذي لم أجد له جوابا حقيقيا فالنظرة الدونية لا تدعو الدول لإبادة جماعية لمواطنيها او معتقليها. في رسالتك لماذا كانت الهولوكوست وهل كان له علاقة بوقوف اليهود مع الحلفاء ضد المانيا فكما هو معروف كان الجيش البريطاني يضم الفيلق اليهودي والذي تم نقله الى فلسطين بعد انتهاء الحرب ليكون نواة للجيش الاسرائيلي؟ وهل تم استغلالها من جانب الحركة الصهيونية وبقية اللاعبين كذريعة لحل المسألة اليهودية وهذا ما أشار اليه أوباما في خطابه بجامعة القاهرة. في السياسة تضطر الى صناعة ازمة لتقوم بعد ذلك بخطوات حلها. اتمنى ان أكون ضيفك في عيد العرش القادم لنثبت للسياسيين ان الحياة المشتركة على الرغم مما حملته احدى وسبعين سنة من الصراع ممكنة

 

دمتم بخير

صلاح من فلسطين