عزيزي يوسي

لقد بدأتُ بقراءةِ كتابِكَ ولمستُ فيه عاطفةً رائعةً وخِطاباً عقلانيّاً مُتزّناً ومثيراً للاهتمام. لكن حتى أتمكّن من الحكم على قيمتهِ وأهميّتهِ فانه يتوجّبُ عليّ أوّلاً أن اُدركَ الغرضَ الاستراتيجيّ من وراء تأليفِ هذا الكتاب ومعرفة الجمهور الذي يستهدفهُ. باعتقادي فإن كتاباً مثلَ كتابِك ليسَ موجّهاً لأشخاصٍ مثلي، لأني بطبيعةِ الحالِ على درايةِ ومعرفةٍ  بالمآسي والمحن التي مرّ بها اليهودُ عبر التاريخ  في شتى بقاع الأرض،  كما أني أبدي تعاطُفيَ التام مع قضاياهُم، بالتالي فإنني أؤيدُ قيام دولةٍ يهوديّةٍ تجمعُ اليهودَ معاً تحت سمائِها مانحةً إياهُم الشعورَ بالأمن والامان

وبالمناسبة،فإنني لستُ شخصاً مُتديّناً، بالتالي فإنني لا أؤيد قيامَ دولةِ إسرائيل من باب اقتناعي بما ذُكرَ في العهدين القديمِ والجديد، بل إنني أؤيد قيام هذه الدولة لأنني مقتنعٌ بحقيقةٍ واضحةٍ تتمثّلُ في الاضطهادِ الذي مرّ بهِ اليهودِ على مرّ القرون  في شتّى بقاع العالم، وهو أمرٌ يستوجبُ منّي تأييد وجودِ وطنٍ قوميّ لهُم يوفرُ لهُم الحماية والأمن والأمان. لكن في الوقت نفسهِ يجبُ علينا أن ننظُر إلى الطرفِ الآخر من هذا الصراع، وهُنا أقصدُ الفلسطينيين. صحيحٌ بأن القضيّة الفلسطينيّة كانت ولا زالت تُستغلُّ لتحقيق مصالحِ القيادات السياسيّة العربيّة وتأجيج المشاعر الدينية لدى العرب والمسلمين، لكن في الوقت نفسهِ لا يُمكننا تجاهلُ حقيقةِ معاناةِ الفلسطينيينَ في ظلّ الحصار والاجراءات العسكريّة الإسرائيلية، بل ان تجاهلَ وانكارَ معاناتِهم والتذرّع بأن الاسرائيليين لا يقصدونَ التسبّبَ بمعاناةِ الفلسطينيين يزيدُ الأمور سوءاً ويُذكّر الفلسطينيين دائماً بحجم الظلم والمعاناة التي يعيشونها 

وعلى أي حال، فإنني عراقيّ الأصل أنتمي الى الدولةِ التي لا يزالُ أبناؤها يُقدّرونَ ويتذكّرونَ الدورَ الهامّ الذي لعبهُ يهودُ العراقِ في تحقيق نهضتهِ منذ عام 586 قبل الميلاد، إذ يشعرُ العديدُ من العراقيين حالياً بالخجلِ مما مرّ به يهودُ العراق مخلّفاً رحيلهُم عنه، آملينَ بكل صدقٍ أن يعودَ يهودُ العراقِ إلى وطنهِم العراق مرةً أخرى، خاصةً وأن دولةَ العراقِ لم تتأثر كثيراً بالصراع العربي الإسرائيليّ مثلماً تأثرت به دولٌ عربيّة أخرى، الأمرُ الذي يجعلُ العراقيين بشكلٍ عام متعاطفينَ أكثرَ من أيّ شعبٍ آخرَ مع قضيةِ اليهود

أضف إلى ذلكَ أن العديدَ من الفلسطينيين قد قاتلوا في صفوف تنظيمِ الدولةِ الإسلاميّة داعِش، فيما كانت هنالِك نسبةٌ لا يُستهانُ بها من الفلسطينيين الذي نفّذوا هجماتٍ انتحاريّةً في العراق ، الأمرُ الذي زادَ من تأييد العراقيينَ لإسرائيل خاصةً بين صفوف الجيل الشابّ. وإن المتابعَ للمظاهراتِ العراقيّة الأخيرة سيلاحظ كيف كان يحملُ العراقيّون لافتاتٍ تُظهرُ رغبةَ العراقيين في عودةِ يهودِ العراق إلى وطنهِم في حالِ أرادوا ذلك

حقيقةً فقد أمضيتُ أغلبَ سنين حياتي في الغرب، الأمرُ الذي يجعلني متعاطِفاً ومتفهّماً لرسالةِ الكتاب كغيري من العراقيين. لكنّ رسالة الكتاب موجّهةٌ إلى “الجيران”، بالتالي وباعتقادي فإن السؤال البديهيّ الذي يطرحُ نفسهُ في مخيلةِ مؤلف هذا الكتاب: هل سيجدُ هذا الكتابُ آذاناً صاغيةٍ لدى هؤلاء الجيران وهل ستصلهُم رسالتي؟ مع الأسف فإن الإجابة على هذا السؤال ليست بالأمر الهيّن مهما تعدّدت الأفكار الموجودة في الكتاب وبغض النظرعن منطقيّتها وعقلانيّتها، إذ لن يكونَ هنالكَ جدوىً من النقاشاتِ والحواراتِ الوديّةِ السياسيّةِ والدينيةِ طالما استمرت المعاناةُ اليوميّة للفلسطينيين، لان هذه النقاشات ستوسمُ حينها بانها محاولةٌ لغسلِ الأدمغةِ في ظلّ معاناةٍ مرتبطة بالجدار والأسلاك الشائكة، وهو بطبيعة الحال أمرٌ مُحزنٌ جداً. إن الاجابة على هذا السؤال هي أمرٌ بمنتهى الصعوبة، وباعتقادي فإن من يستطيعُ اجابة هذا السؤال سينالُ جائزة نوبل للسلام وسيتبوأ مكانةً تاريخيّة عظيمة بلا شكّ  

مرة أخرى أريدُ أن أوضّحَ بأنني أتفهّم قضيةَ الشعب اليهوديّ وأهميّة وجودهِم في دولةٍ يهوديّة، كما أنني مُتعاطفٌ مع ما مرّوا به من قسوة واضطهادٍ عبر التاريخ، إلا أنني أرى ان الكتابَ ليس موجّهاً إليّ كوني أتفهّم هذه القضايا جميعها. إنني في الوقتِ نفسهِ أنظرُ إلى دولةِ إسرائيل على أنها دولةٌ ساهمت في العديد من الانجازاتِ والابتكاراتِ العلميّة والطبيّة العظيمةِ رغم كونها دولةً صغيرة 

ختاماً فإنني أقدّرُ جداً جهودَ المؤلفِ ومساعيهِ في تأليف هذا الكتاب ونشره، كما وأٌقدر عالياً مساعيهِ الحثيثة في العمل من أجل ايجادِ تقاربٍ بين العرب والإسرائيليين، فعلى الرغم من صعوبةِ هذا الطريق والتحدياتِ المرتبطة به إلا أنّ أشخاصاً رائعينَ مثل يوسي كلاين هاليفي وطاقم عملهِ يخلقونَ الأملَ في نفوسِنا بأن هذا التقارُبَ هو أمرٌ مُمكن الحدوث 

مع تمنياتي لكُم بالتوفيق

ابن دجلة