هذا ردّ يوسي كلاين هاليفي على تعقيبِ السيّد علي من العراق. لقراءة تعقيب السيّد علي كاملا تفضلوا بزيارة هذا الرابط

عزيزي علي

دعني أستهل ردّي  بالتعبير لكَ عن اعتذاري منك لأنني أستغرقتُ وقتاً طويلاً حتى أردّ عليك؛ في الوقتِ نفسهِ أريد أن اعبر لك عن عظيم امتناني لجدّيتك في قراءة كتابي وارسال تعقيبٍ عليه

بدايةً سأباشر ردي عليك بمحاولة الإجابة عن بعض التساؤلات التي طرحتها في مستهلّ ردكّ الأوّل والثاني على الرسالتين الأولى والثانية من كتابي، وصراحةً فأنا سعيد جدا لأنك بدأت رسالتك مُعبّراً عن روعةِ عمل ميخال، إذ لم تكن محاولاتي للتواصل مع العالم العربي لترى النور لولا رؤية ميخال وتفانيها في العمل ، كذلكَ أقدّر عالياً كلماتك التي وصفتَ بها المترجم، إذ ان جهدهُ الاستثنائي وتفانيه في العمل كان ولا زال مصدر إلهام بالنسبة لي. كذلكَ أشكرك جزيل الشكر على  ما تفضّلت به من كلماتٍ صادقةٍ تنم عن تقديرك لكتابي، الأمر الذي كان له عظيمُ الأثر في نفسي.  

وبالنسبة لما تفضّلت به عندما تمنيت ألا يكون انتقادك سبباً لشعوري بالحزن او الغضب فإنني أريدك أن تُدركَ تماماً بأنني بدأت هذا المشروع وعيني واسعتان، مستعد لتقبل جميع التعقيبات على كتابي بكل رحابةِ صدر، لهذا أتمنى أن تزيلَ عن نفسكَ هذا العناء  وكن على ثقةٍ  بأنني لستُ ممتناً فقط لانتقاداتك، بل أنا ممتنٌ أيضاً للنبرة فائقة الاحترام التي تكلّل بها أسلوبك في انتقاد كتابي

وبالعودة إلى تعقيبكِ فقد ذكرتَ  فكرة “دولة  إسرائيل  من النيل إلى الفرات” وبأنها تشكّل واحدة من طموحات الإسرائيليين، وما أريد أن اقوله لك هنا هو أن هذه الفكرة عاريةٌ تماماً عن الصحة . صراحةً لا أدري كيف بإمكاني أن أؤكد بكل بطريقة تجعلكَ متيقّناً مئة بالمئة بأنني لا أعرفُ بتاتاً أي إسرائيليّ أو إسرائيليّة  يفكّر بمثل هذا التفكير او يمتلكُ هذا الطموح . لكن ولأكون صريحاً معك فإنني خلال سنواتي الطويلة  السنوات التي قضيتها في إسرائيل وخلال فترة عملي كمراسل التي قابلتُ خلالها آلاف الناس فقد سمعتُ هذا الفكرة مرة واحدة  فقط في حياتي ، إذ كان ذلك في مستوطنة معروفة بكونها مستوطنة يمتلكو قاطنوها فكراً متشدداً بعض الشيء، خلال تلك السنواتِ سمعتها مرةً واحدة فقط لا أكثر! 

وحقيقةً فإنني أسمع هذه الفكرة  تترددّ كثيراً على ألسنة الفلسطينيين الذين يتهموننا بتبني تلك الفكرة باعتبارها هدفاً وطموحاً مستقبلياً للإسرائيليين. لكن هذا الاتهام هو واحدٌ من أكثر الأكاذيب الملفقّة ضد إسرائيل إيلاماً ـــ مؤلمة لأنها انتشرت كالنار في الهشيم  في العالم العربي

وبالانتقال إلى فكرة أخرى فقد سألتني حول مضون نشيدنا الوطنيّ الإسرائيلي  “هَتيكفا’ (الأمل) ، حيث تطرقنا لهذا الموضوع من خلال منشور نشرناه سابقاً عبر صفحتنا على الفايسبوك والذي يمكنك قراءته من خلال هذا الرابط:

https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=1148695075319713&id=749061191949772

وهذه هي الترجمةُ الحقيقيّة لكلماتِ النشيد الوطنيّ الإسرائيليّ هَتيكفا وبامكانكَ أن تجدَها على الموقع الرسمي للكنيست (البرلمان الإسرائيلي) :

طالما في القلب تكمن،

نفس يهودية تتوق،

وللأمام نحو الشرق،

عينٌ تنظر إلى صهيون

أملنا لم يضع بعد،

أملٌ عمرُه ألفا سنة،

أن نكون أمّة حرّة في بلادنا،

بلادُ صهيون وأورشليم القدس

وبالنسبة لانتقاد المواطنين العرب للنشيد – وهم بالمناسبة محقون بهذا الشأن –  فهو يتمثّل في تطرّق النشيد لمواطني إسرائيل اليهود فقط ، كونه يستحضر “الروح اليهودية” لدولة إسرائيل. في الواقع يرى الكثير من الاسرائيليين  بأنه يجب علينا أن نضيف مقطعا شعريا لنشيدنا الوطني ليكون أكثر شمولية، وأرى أن هذه الفكرة يجب أن تؤخذ على محملِ الجدّ. لكن النشيد في حد ذاته لا يحتوي أي كلماتٍ تحرّض على  كراهية أي أحد، بل هي في الحقيقة  مفردات تحمل في طياتها معاني الأمل وشوق اليهود وحبّهِم لهذه الأرض

وبالانتقال لنقطةٍ أخرى فقد  لقد تساءلتَ عن عدد الضحايا الإسرائيليين الذين سقطوا في الانتفاضة الثانية. لقد خلّفَت الانتفاضة الثانية قرابةَ 1000 قتيل إسرائيلي مقابل 3000 قتيل فلسطيني اضافة إلى اصابة عدد أكبر من هذا بكثيرعلى كلا الجانبين. وبمناسبة الحديث عن هذا الموضوع فقد اقتلعنا من هذه الأرض مرتين:المرة الأولى كانت من قِبل البابليين سنة 586 ق.م. حين تم نفي اليهود  إلى بابل وبقوا هناك سبعين سنة حتى احتل الملك الفارسي كورش الكبير أرض إسرائيل وسمح لليهود بالعودة إلى أرضهم.أما المرة الثانية فكانت سنة  70م تقريباً، وفي هذه الفترة قام الرومان بقيادة طيطوس بتدمير الدولة اليهودية وقاموا بنفي غالبيّة سكانها.لكن وبطبيعة الحال استمرالوجود اليهوديّ على هذه الأرض لألف وثمانمائة عام بعد ذلك النفي، رغم أنهم عاشوا عليها كأقلية فقط

لقد قمت أيضاً بطرح سؤالٍ مهم للغاية حول مرتكبي العمليات الانتحارية في إسرائيل: من كان يقفُ خلف هذه التفجيرات، هل هي القيادة الفلسطينيّة أم انه الشعب الفلسطينيّ نفسُه؟ إن اجابة هذا السؤال صعبةٌ إلى حدٍ ما، لكن ما يُمكننا قولُه حتما هو أن القيادة الفلسطينيّة شجعت ودعمَت تلك الأعمال  كما لاقت تلك التفجيرات تشجيعاً وترحيباً واسعاً من قبل عامّة الشعبِ الفلسطينيّ. لكن سرعان ما توقفت التفجيرات الانتحارية عقب بناء الجدار العازل، ومن دفع ثمن ذلك كان المجتمع الفلسطيني، وحينها فقط اتخذ الرأي العام الفلسطيني موقفا يُعارضُ تلكَ العمليات الانتحارية.

أيضاً لقد ذكرتَ في تعقيبك عبارة رائعةً أتّفقُ معكَ فيها بشدة، وهي أن السّلام الحقيقي يبدأ عندما يتصافح الطرفان المُتخاصمان، ويلقوا بأسلحتهم جانبا

ولقد تسائلتَ عن مدى أهمية وارتباط اعتراف الفلسطينيين وبقية الشعوب العربيّة  بالمحرقة – الهولوكوست – . إن اهميّة هذا الاعتراف تنبعُ من واقع اعتقاد العربِ وقناعتهِم التامّة بأن اليهودَ قد لفقّوا أحداث الهولوكوست حتى يكسبوا التعاطف العالمي. ومع الأسف فإن أمةً  تنشرُ وتصدّقُ مثل هذه الأكاذيب لا يمكن الوثوق بها في أي شيء بما في ذلك تحقيق السلام.

إن تحقيق السلام يتطلب وجود ثقة متبادلة بين الجانبين، وطالما ظلّ العربُ يعتقدون بقدرة اليهود على نشرِ وترويج أكاذيب مهولةٍ كهذه حول تاريخهم  فلن يثق العرب باليهود أبدا . في الوقتِ نفسه لن يثق اليهود بالعرب بأي شكلٍ من الأشكال طالما ظلّ العربُ يروّجون لهذه الاكاذيب النابعة من عقلية المؤامرة التي تسيطر على العقلية العربية، بالتالي فإننا بحاجة إلى قدر معين من الحقائق التاريخية المُتّفقِ عليها من كلا الجانبين

وقد طرحتَ عبر تعقيبكِ أيضا سؤالا جادّاً للغاية: هل يمكن للفلسطينيين أن يثقوا بإمكانية انسحاب الإسرائيليين من الضفة الغربية بينما نواصلُ بناء المستوطنات ونواصل الحديث عن مصالحنا الأمنية هناك؟

أظن أن الانسحاب الاسرائيلي من غزة أثبت بأن الانسحاب من الضفة الغربية ممكن أيضا، وفي حال كان هنالك أي انسحابٍ مستقبليّ من الضفة الغربية فإن الجيشَ الإسرائيلي سيبقى دون ادنى شكٍ  بمحاذاة الحدود مع الأردن حتى نضمن بأن حدودنا الغربية لن تكون مخترقةً من قبل القوات الايرانية. لكنني لا زلت أعتقد بإمكانية قيام دولةً فلسطينية مستقلةً  في الضفة الغربية على الرغم من أن الوقت يجري بسرعة

وقد تساءلتَ عن امكانية وجود مكانٍ الفلسطينيين والمسلمين في حال تحقق حل الدولتين، وأنا أقول لك نعم وبكل تأكيد. 

لقد تضاعف عدد السكان الفلسطينين في القدس منذ حرب 1967 بشكل متزايد بالتالي أصبح هذا جزءاً من الواقع الذي لا يمكن تغييره. كذلك فإن الفلسطينيين لن يستمروا في الصلاة  في الحرم الشريف فحسب، بل – ومثلما هو الحال الآن – سيكون الحرم الشريف تحت ادارتهم وسيطرتهم  وهم من سيقررون من يسمح له بالصلاة هناك. . ولمعلوماتك فقد منحت الحكومة الاسرائيلية  الوقف صلاحية تشبهُ حق النقض فيما يتعلق بصلاة اليهود على  جبل الهيكل – الحرم الشريف، الأمر الذي يبدو سخيفا إلى حدٍ ما، ذلك لأنه أكثر المواقع قدسيةٍ بالنسبة لنا كيهود. لكن وانطلاقاً من رغبتنا في الحفاظ على السلام والهدوء، فقد وافقَت عامة الشعبِ الإسرائيليين على هذا الوضع

كانت هذه ملاحظاتي على اول تعقيب لك، و بعد أن انهيت قراءة  تعقيبك على رسالتي الثانية إليك ملاحظاتي:

لقد ذكرت بأن الحقبة الرومانية استمرت لغاية 673م. وهذا صحيح مئة بالمئة، لكن “الحقبة اليهودية” يبدأ احتسابها من الزمن الذي تم فيه تدمير الهيكل الثاني سنة 70م  والذي تلاه نفي معظم اليهود من أرض إسرائيل آنذاك. لقد كان هذا بالنسبة لنا هو نهاية السيادة اليهودية على  أرض إسرائيل وبداية شتات دام 1800 سنة، وهذا ليس ذلك فقط حسابا “عاطفيا” مثلما ذكرت، بل هو حقيقة تاريخية

طرحت مرة أخرى تساؤلاً مهما لكنه معقد: هل كان الصهاينة على خطأ عندما تعاونوا مع البريطانيين في سبيل تأسيس دولةٍ لهم؟ ما بإمكاني قوله هو أنه من الصعب إطلاق أحكام مسبقة على أناس يائسين حينها، خاصة في ظل حالة الأمن والأمان التي نشعر بها – نسبياً – هذه الأيام

من المثير للاهتمام معرفة أنه قد كانت هناك انقسامات فيما بين الحركة الصهيونية نفسها حول ما يتعلق بالتعاون مع البريطانيين: اليسار كان داعما للفكرة، بينما فضّل اليمين القيام بثورةٍ مفتوحة. ختاماً فقد كان الصهاينة المنتمينَ في غالبيّتهم لليمين، تحت قيادة مناحيم بيغن وقوات الإرجون القابعة تحت إمرته آنذاك هُم من طردوا البريطانيين من هذه الأرض بعد مواجهاتٍ طويلةٍ معهُم

أنت محق: أنا أرسل رسالة لساسةِ بلدي لأقول لهُم بأننا لن نكون بأمان، وأن عودتنا لديارنا لن تكون مكتملة، إلا بعد أن يشعر جيراننا بأن ديارهم آمنة كذلك. وبالفعل، هذا يعني حل الدولتين، كل منهما سيحظى ب”قانون عودته الخاص”.

أخيراً وليس آخراً فإنني أودّ أن أشكرك على حفاوة ردك على كتاباتي التي توضح ما تعنيه الأرض بالنسبة للشعب اليهودي. هذا حقا يعني لي الكثير، كما أود أن أعبر لك عن مدى تأثري بما كتبته في تعقيبك، وبأنني أقدر عالياً قراءتك المعمقة لكتاباتي عزيزي علي،  فالكاتب لا يُمكن أن يتمنّى لكتابهِ قارئاً أفضل منك

سأتابع قراءة ردودك وسأكتب إليك المزيد

مع أطيب تمنياتي ــــ

يوسي كلاين هاليفي.

 

——————————————————————————————————–


عزيزي علي،

إليكَ ردي على تعقيبك وملاحظاتك على الرسالتين الثالثة والرابعة من كتابي.

إنها حقاً لحجة مثيرة للاهتمام، تلك الحجة التي طرحتها حول تأصّلِ اليهود من موسى عِوَض إبراهيم (أو، كما تضيف لاحقا، امكانية انتساب اليهود ليعقوب/إسرائيل، طالما نحمل اسمه). إن كل ديانة تضع ادعاءات صعبة حول نفسها بحيث يصعب على الديانات الأخرى تصديق ذلك، لكنني شخصياً أعتقدُ بأن التحدي الذي يواجهنا كيهود ومسلمين، هو مدى احترامنا لحقّ كل منا في الإيمان بما لا يتوجب علينا تصديقه. فاليهود لطالما نسبوا أنفسهم لإبراهيم وهذه حقيقة لن تتغير أبداً، لكن في الوقت نفسه فإن هذا لا ينفي أن المسلمين كذلك إلى جانب اليهود ينحدرون من نسل إبراهيم.

أنت حتماً على حق في قولك بأن اليهودية ليست ديانة تبشيرية. لكن اعذرني لأنني أريد أن أصحح  نقطة قمت بذكرها في تعقيبك: اليهودية تتقبل المعتنقين الجدد رغم انها ليست تبشيرية، لأنه ليس من السهل أبداً اعتناق  الديانة اليهودية؛ إلا أنه أمر ممكن الحدوث رغم صعوبته. وبالمناسبة، زوجتي سارة  اعتنقَت الديانة اليهودية، كما أنه لدي العديد من الأصدقاء في أورشليم من الذين أصبحوا يهوداً.

وإضافة إلى ما سبق فقد كتبتَ أن اليهود يؤمنون بأنهم وحدهم من يحملونَ الرسالة الإلهية على عاتقهم وأن لا أحد غيرهم يحق له ذلك، لكن الأمر ليس بتلك الصورة التي وصفتها. فعلى سبيل المثال لو عدت لكتابات الفيلسوف الكبير موسى بن ميمون فإنك ستجدُ كيف كان يمدح الاسلام لنشرهِ رسالة التوحيد بين سائر الأمم. وقام كذلك حاخامات آخرون بنفس الشيء وامتدح المسيحية للسبب نفسه. إن اليهودية تقتضي الإيمان بأن كل البشر يجب أن يجدوا طريقهم الخاص لله، وأن أعظم ديانات العالم موجودة لمساعدتهم على ذلك.

إن حق العودة الإسرائيلي ينطبقُ على كل شخص لهُ جدٌ يهودي (ليس فقط أماً يهوديةً كما ينص على ذلك القانون الأرثودوكسي). لذلك فالقانون الإسرائيلي ليبرالي للغاية مقارنة بالقانون الديني اليهودي، ويقبل الناس لمجرد انحدارهم من بعض الأصول اليهودية (كَأن يكون أحد أجداده فقط يهوديا) ويخولهم حق الحصول على الجنسية الإسرائيلية. أعلم بأن الأمر معقد، فنحن اليهود لا نبسط الأمور حتى على أنفسنا.

هذه بعض الردود فيما يخصّ رسالتك الرابعة:

إنني نادم لأنك وجدت نبرة صوتي مستفزة هنا، إذ لم تكن تلك نيتي تلك أبداً. لكنني سآخد وقع كلماتي عليك بكل جدية، لأنها تنبيه مهم لي لكي أكون حذرا أكثر، بالتالي لن أحرصَ فقط على قول ما أريد قوله، بل سآخذ أيضا في الحسبان كيف يمكن للآخرين تأويله وفهمه بطرق مختلفة.

مجدداً، لم أقصد أبداً أن تبدو شفقتي كتهديد مستتر. أتفهم كيف يمكن للفلسطينيين أن يرفضوا التعاطف من الإسرائيليين، وكيف يمكن أن يبدو ذلك متعالياً ومستفزّا بالنسبة لهم. لكن كيف يمكن أن يتم تفسيرُ ذلك على أنه تهديداً؟

أيضاً أشاركك مخاوفك حول إمكانية خراب الحضارة، لا قدّر الله. فالحضارة بدأت من الشرق الأوسط؛ وأحيانا يبدو لي بأن الله قد رتب الأمور لتؤول إلى ما هي عليه الآن لدرجة أن الشرقَ الأوسط قد يكون مقبرةَ تلك الحضارة، أي من نفس المكان الذي نشأت فيه. إن الأمر يعتمد علينا – نحن البشر – لنتصرف بحكمة مع كل القوة المدمرة الموجودة في هذه المنطقة.

ختاماً أريد أن قول بك بأنني أتفق معك، حيث لا يجب أن يحكم أحدنا الآخربالقوة، ولهذا السبب أرغب في إنهاء هذا الوضع. لكن التخوف الإسرائيلي، وهو تخوف في محله بالنسبة لي، يتعلق بإمكانية تحول الضفة الغربية لغزة أخرى بعد انسحاب إسرائيل منها، وبذلك تصير مصدر تهديد لتل أبيب ومدن إسرائيلية أخرى.

لقد كتبتُ كتابيَ بنية بدء حواريساعدنا على بناء ثقة متبادلة بين العرب واليهود، وإن تبادلنا أطراف الحديث في هذا التعقيب لهو جزءٌ من ذلك الحوار الذي قد يساعدنا على فهم وتفهم بعضنا الآخر.

 

مع أطيبِ تحياتي،

يوسي

——————————————————————————————————–

عزيزي علي

بعد التحية

إليك ردّي على ما تفضّلت به من نقد للرسالتين الخامسة والسادسة من كتابي

لقد أعجبني تشبيهُك للأسلوب الذي كتبتُ به كتابي بالقهوة، ولا أخفيك بأنني لم يخطر ببالي أبداً مثل هذا التشبيه، إلا انه يصفُ فعلاً محاولتي لحلّ المشاكل باختلافها، لهذا أشكرك من كل قلبي على هذا التشبيه الجميل

أيضاً لا أريدك أن تقلقَ فيما يخصّ انتقاداتك لأنها لا ولن تُحزنني أو تجرحَ مشاعري بأي شكل من الأشكال، حيث أنني عندما قمتُ بدعوة القراء العرب لقراءة كتابي وارسال تعقيباتهم عليه كنت جاهزاً لسماع شتّى الانتقادات العاديّة واللاذعة في الوقت نفسه. لقد كان تعقيبكَ وانتقادك مُهذباً ولَبِقاً لدرجة تُشعرُ من يقرأهُ بأن من من كتبَ التعقيبات هو انسانٌ صديقٌ وودود جداً. إنني أقدّر عالياً ما أرسلتهُ إليّ من ملاحظات وأفكار سواءاً التي اتفقت أو التي لم نتفق فيها مع بعضنا البعض

وبالعودة إلى تعقيبك فقد ذكرت بأنه طالما أصرّ اليهودُ على الاعتقاد بأن ابراهيم وسارة  يهوديّان فإن هذا معناه أن اليهود يطالبون ويدّعون ملكيتهم لكامل الأرض، وهنا دعني أوضح لكَ نقطتين هامتين في مستهل ردّي على ما تفضلت به

أولاً: إن مُعتقداتنا التي ورثناها من آبائنا وأجدادنا تشكلُ جزءاً لا يتجزأ من من هويتنا وكينونتنا الدينيّة. وتبعاً لمعرفتي بالديانة الإسلامية كيهوديّ فإنني أجدُ أن الإسلام يحتوي بعض الأمور والجوانب الإشكالية، تماماً مثلما يرى المسلمون بعض الجوانب والأفكار التي تنطوي على مشاكلَ عديدة في الديانة اليهودية من وجهة نظرهم كمسلمين. لكن ما يمكنني قولهُ هُنا بأن هذه القضايا والأفكار الإشكاليّة ستظل موجودة بأي حال من الأحوال، لكنا ما يمكنا القيام به هو أن نقلّل من سوء التفاهم الموجود بيننا قدّر الإمكان

ثانياً: إن ايماني بأن ابراهيم وسارة كانا يهوديّين – وهذا ما آمن به اليهود منذ الأزل – لا يعني ادّعائي بأحقيّتي في جميع الأرض، وقد حاولت جاهداً خلال كتابي أن أفرق بين الجانب النظريّ والعمليّ لهذا الاعتقاد، فمن ناحية نظريّة أُؤمنُ بأن الأرض الممتدة بين نهرِ الأردن والبحر الأبيض المتوسّط هي أرضُ بني إسرائيل، لكن من ناحية عمليّة أؤمنُ بأنه يجبُ عليّ أن أقبلَ بوجودٍ شعبٍ آخر على الأرض وأن أتقاسمَ الأرض معه

وقد لفتَ انتباهي في ملاحظاتك على الرسالة السادسة بأنك تتفقُ مع وصفي وصياغتي للواقع حين قلتُ بأن كلا الشعبين الإسرائيليّ والفلسطينيّ بإمكانهم الإدعاء بأن الأرض جميعها تعودُ لأحدهِم، بالتالي لا مناصَ من ضرورةِ اقتسام الأرض والعيش عليها سويّاً

وبالنسبة لاقتباسك من الرسالة ذاتها بخصوص محمود عباس وقبوله واعترافه بحقّ الإسرائيلييين في مدينة صفد التي تنحدرُ منها عائلته فإنني اريد أن الفت انتباهك إلى انك لم تُكمل باقي القصة في اقتباسِك، حيثُ قال عبّاس لاحقاً في محاولة منهُ لاسترضاء الرأي العام الفلسطينيّ بعد أن تعرض لانتقاداتٍ لاذعةٍ نتيجة لما قالهُ في هذه المقابلة، حيث قال عبّاس لاحقاً بأن هذه العبارة لا تمثل سوى رأيه الشخصيّ وبأن حقّ العودة هو أمرٌ مقدّس، بالتالي كيف تتوقّع من الإسرائيليّ أن يقوم بتقديم المزيد من التنازلات للفلسطينيين عندما يسمع مثل هذه العبارات؟

ما أشعرُ به حالياً هو أن ينبغي علينا الانتظار لبعض الوقت حتى يأتي جيلٌ جديد يتولّى زمام الامور والقيادة الفلسطينية والاسرائيلية على حدٍ سواء حتى نتمكّن من تقديم تنازلاتٍ مُجدية لبعضنا البعض

وفي ختام ردّي فإنني أقدّر عالياً هذه النبرة الدافئة التي طغت على كلماتك وأسلوبك عزيزي علي، إنني أشعرُ بأنني أتحدُ مع شخصٍ قريبٍ مني وآمل من أعماق قلبي أن نلتقي ببعضنا البعض يوماً ما، وما يدريك لعلّ هذا اللقاء يكون في بغداد او ربما في القدس

مع أطيب التحيات

يوسي كلاين هاليفي

——————————————————————————————————–

 

عزيزي علي 

إليك ردّي على  تعقيبك وملاحظاتك على الرسالتين السابعة والثامنة من كتابي

وسأبدأ ردّي بأمر مثيرٍ للاهتمام ذكرته في مستهل تعقيبك، وهو اختبار الله لإيمان ابراهيم من خلال النار وعلاقتها بالمحرقة، حيث أنني فكّرتُ بعلاقةِ الأمرين والصلة بينهما مؤخراً من خلال تقارب المشهدين، فتبعاً للروايةِ اليهوديّة للقصّة فقد أُلقيَ ابراهيمُ في فرنٍ ليتم احراقه، وهذه الصورة ترتبطُ في المخيّلة اليهوديّة الحديثة بمعسكرات وافران الموت خلال المحرقة. عندما افكر في المشهدين يتملكني شعورٌ بالاستغراب من وجودِ إشاراتٍ في ماضينا القديم تتضمنُ نبوءاتٍ تُشيرُ إلى ما سيحدثُ في مستقبلنا الحالي

لكن السؤال الذي يجول بخاطري الآن: ما هي الرواية الإسلامية لقصّة ابراهيم والنار؟

من ناحيةٍ ثانية فإنني اقدّر عالياً تحليلكَ ووصفكَ للأدوار التي وجدتُ نفسي ألعبها عبر كتابي، وهنا اجدك محقاً عندما قلت بأنني أحاول قدر المستطاع أن اوازن بين عدة تناقضات من تناقضات هذا الصراع: بين القوّة والإخلاق، بين الإيمان بماضيّ واحتياجاتي المستقبليّة، بين الإدّعاءات والمطالب الفلسطينيّة والإسرائيليّة. إن قيام دولة اسرائيلَ يشكّل بحد ذاته تناقضاً وهذا ما سعيت جاهداً على توضيحه خلال هذه الرسالة. لهذا فإن مسؤوليتي كمواطن إسرائيليّ تفرضُ عليّ أن تكونَ قراراتي مبنيّة على الأخذ بعين الاعتبار الفروق الدقيقة الموجودة في هذه التناقضات جميعها

إنني اتفهم ايضاً لماذا يشعرُ الفلسطينيون بأن مطالبتهُم بالتنازل ليست مطلباً عادِلاً، لكن في الوقت نفسه فإن اليهودَ يُدركون تماماً ما هيَ العدالة، حيثُ يشكل اللاجئون اليهود من الدول العربيّة  قرابة نصف سكان اسرائيل منَ اليهود، وعندما قدِموا إلى إسرائيل فقد جاؤوا إليها كلاجئين، بالتالي لا يشعرون بالذنب تجاه ما حلّ باللاجئين الفلسطينيين خاصة بعد أن حاول الجانب الإسرائيلي منع الحرب بين العرب واليهود عبر طرح حلّ الدولتين منذ البدايات الأولى للصراع، هذا الطرح الذي لقي رفضاً عربياً وفلسطينياً شديداً مما أدى لاندلاع الحرب. أيضاً أتفهم كيف يرى الفلسطينيون هذا الموضوع من جانبٍ مُختلفٍ تماماً، لهذا يكمنُ المقصدُ الرئيسيّ من كتابي في أن يرى كلّ جانبٍ كيفَ ينظرُ الجانب الآخر للواقع  نفسه وكيفُ يفهمهُ من منظوره هوَ

وبالنسبة لليهود فانهم يشعرون بالسخط الشديد على القيادة الفلسطينيّة والعربيّة التي قادت محاولات تدمير دولة إسرائيل منذ اليوم الأول لقيامها، إذ بعد ثلاثةِ سنواتٍ من انتهاء المحرقة وجدنا أنفسنا مجدداً نقاتلُ من أجل النجاة بأرواحنا، وهنا أكرر مرة أخرى بأنني اتفهم لماذا تبدو صورة الواقع مختلفة تماماً من وجهة الفلسطينيين والعربِ عموماً وشعورهم بأنهم خسروا جُزءاً من أرضهم
في الوقت نفسهِ فإنني أعرفُ نسبة كبيرة من الفلسطينيين يدرون اليوم كيف اقترفت القيادات الفلسطينية والعربية خطأ جسيماً عندما رفضوا قرار التقسيم الصادر عن هيئة الأمم المتحدة سنة 1947. تخيل كيف سيكون الواقع مختلفاً لو قبل العربُ والفلسطينيون قرار التقسيم حينها، وتخيل لو قبلوا بطرح حلّ الدوتين سنة 2000. وهُنا يكمنُ أساس الإحباط  والسخطِ الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني، وهو انك تعلمُ أنك مهما عرضتَ من حلول واقتراحاتٍ للحل فإنها سُقابلُ برفضٍ فلسطينيّ كالعادة

في الختام فإنني أتوجهُ إليك مجدداً بجزيل الشكر على وقتك وجهدك الذي استغرقتهُ في قراءة الكتاب، كما وأني ممتن لك ككاتبٍ وإنسانٍ على ما ابديته من تفهّمٍ للجانب النفسيّ والألم الذي عشتهُ كاسرائيليّ على هذا الجانب من الصراع

مع أطيب التحيات

يوسي كلاين هاليفي

 

——————————————————————————————————–

 

عزيزي علي 

إليك ردّي على تعقيبك وملاحظاتك على الرسالتين التاسعة والعاشرة من كتابي

بداية أستهلّ كلماتي بالشكر الجزيل على ما أبديته من تعاطفٍ صادقٍ مع ضحايا الهولوكوست. إنني ألمس بين ثنايا سطوركَ صدقك وإخلاصكَ في كل كلمةٍ من كلماتك تعقيبك على هذه الرسالة، لهذا أنا ممتنٌ لك من أعماق قلبي على حسّك الإنساني الراقي وقلبكَ الكبير وتعاطفكَ وتضامنكَ مع العائلة الابراهيمية

كذلك فإنني أتقدّم إليك وإلى الشعب العراقي العزيز بأحرّ التعازي والمواساة في ظلّ الأعمال الوحشيّة العنيفة التي يتعرّضُ لها العراقيون حالياً. وباعتقادي لا يجبُ أن يتعرّض أي شعبٍ لما تعرّضَ لهُ الشعبُ العراقي من قمعٍ وظلمٍ خلال العقود المنصرمة

وبالعودة إلى تعقيبك فإنني أريد أن أجيب على الأسئلة التي طرحتها في ختام ملاحظاتك، حيث سألتني عما إذا كنت أعتبر كلمات القرآن مُرسلةً من الله؟ وإجابتي على السؤال هي نعم، لكن ليسَ بالطريقة نفسها التي يؤمنُ بها المسلمون ولا بالطريقة التي يراها الشيوعيّون بكل تأكيد. إنني أؤمنُ بأن الله يتواصلُ مع عباده عبر دياناتٍ مُختلفةٍ وأنبياء مختلفين ونصوص دينيّة مختلفةٍ أيضاً، وهو المنظور نفسه الذي أنظرُ من خلاله إلى المسيحية والإسلام. إنني أؤمنُ أن العهد الجديد والقرآن مليئانِ بالروحانيّات التوحيديّة، لكني في الوقت نفسه لا أؤمنُ بأن كل كلمةٍ مكتوبة فيهما مصدرها الله نفسه. إنني اؤمنُ بأن الإسلام والمسيحيّة هما وحيٌ من الله، لكن هذا لا يعني أنني اعتبرهما وحياً مُطلقاً من عند الله

إنني أؤمنُ أيضاً أن الله خلقنا لنعمرَ هذه الأرض ولنقوم بالأعمال التي ترضيهِ هو، لا التي ترضينا نحن، وأننا موجودون هُنا لطاعة الله والامتثال لرغباته، لكن السؤال الذي يطرح نفسهُ هنا: لأي درجة نحن ممتثلون لما يطلبهُ الله منا القيام به؟ لهذا فإنني اعتقدُ جازماً أن احتلالنا للفلسطينيين ليس رغبةً إلهية، تماماً مثلما اعتقدُ جازماً أن الحروب التي شنّها العربُ لعقودٍ طويلةٍ بهدف القضاء على إسرائيل ليسَت رغبةً إلهيّة أيضاً. كذلك فإنني لا أؤمنُ بتفوّق شعبٍ على آخر ولا بتفوّق أمةٍ على أخرى، إلا أنني أؤمنُ أن الله اختار اليهودَ ليقوموا بدورٍ محددٍ خلال التاريخ الانساني تماماً مثلما أؤمنُ بأن الله قد اختار المسلمين والمسيحيين ليلبعوا أدواراً أخرى في هذا التاريخ. أتمنى ان تكون هذه إجابة شافية على سؤالكَ عزيزي علي

كذلك فإنني أقدر عالياً الوصفَ الرائع الذي ذكرتَهُ في خاتمة تعقيبك على الرسالة العاشرة حين قلت :”أعجبتني الرحلة وهو يذكر بايمان مطلق (هشاشةِ الواقع وسرعةِ زوال هذه الحياة)”، حيث شعرتُ أنني كنتُ في رحلةٍ جميلةٍ خضتُ غمارها معكَ عبر الكتاب والتعقيبات، وها أنا أشعرُ أنني دخلتُ إلى أعماق قلبكَ وفكرك المُنفتحِ وأشعر بأننا أصبحنا أصدقاء. لهذا يسعدني أن تخبرني المزيدَ عن نفسكَ وعن عائلتكَ وعن حياتكَ حتى أتعرّفَ عليك أكثَر أيها الصديق العزيز

وفي ختام رسالتي إليك أريد أن أعبر لك عن عظيم امتناني لقراءتك الكتاب وأخذه على محمل الجّد، كما أقدر من أعماق قلبي كل تعقيبٍ  أرسلته سواءاً تلكَ التي اتفقّت او اختلفت معي فيها على حدٍ سواء. إن تعقيباتك وملاحظاتك تظهرُ عُمقاً في قراءتكَ للكتاب والافكار المطروحة فيه وتُظهرُ شخصاً يمتلكُ روحاً تحاولُ بكل ما استطاعت من قوّة الامتثال لما أمرهُ الله من تعاليم وأخلاقيّات

إن صداقتكَ أمرٌ يشرّفني، وأنا أدركُ تماماً استحالة لقائِنا كأصدقاء في ارض الواقع، إلا أنني أكتبُ إليك وكلّي املٌ أن يأتي ذلك اليوم الذي ستشرّفني فيه بزيارة وتحلّ عليّ ضيفاً عزيزاً في بيتيَ في مدينة القدس

مع أطيب وأصدق التحيّات

يوسي كلاين هاليفي