هذا ردّ يوسي كلاين هاليفي على تعقيبِ السيّد قيس شاكر من العراق. لقراءة تعقيب السيّد قيس كاملا تفضلوا بزيارة هذا الرابط

 

عزيزي قيس

في بادئ الأمر، أتقدم إليك بالاعتذار لتأخري في الردّ عليك، كما أنني ممتن لتخصيصك وقتاً وجهداً لقراءة كتابي والرد عليه. حينما كتبت كتابيَ لم أشترِط ولم أتوقع أبدا ردوداً إيجابيةً من القراء، جل ما كنت آملهُ هو أن يأخذ القراء كتابي بجدية مخصصين وقتا لقراءته، ويكتبوا لي رداً في المقابل، وقد قمتَ أنتَ بالأمرين، وأنا ممتن كثيراً لذلك

ومع الأخذ بعين الاعتبار فقد قرأت رسالتك بذهول ودهشة شديدين وسألت نفسي مراراً وتكرارا: هل قرأ حقا كتابي؟ أي كتابٍ كان يرد عليه في رسالته هذه؟ ذلك لأن الكثير مما اتهمتني بكتابته خاطئ بكل بساطة ! ليس فقط لأنني لم أكتب الكثير مما اتهمتني بكتابته، بل أيضا لأنني كتبت نقيضه تماماً

إليكَ بعض الأمثلة

حين كتبت عن نبوخذنصر، ملك بابل، وكورش الكبير، ملك فارس، كنت حينها ببساطة أعيد الأحداث التاريخية القديمة والموثقة لا أكثر. تلك القصة معقدة جداً، فلَم يقم البابليون بطرد اليهود فحسب؛ بل أن اليهود اتخذوا من بابل دياراً جديدة لهم وهذا ما حدث حين سمح لهم كورش الكبير بالعودة إلى أرضهم، إذ اختار العديد منهم البقاء، بالتالي فإن الصورة معقدة جداً

ولنكونَ صريحين أكثر فإن أي مقارنة بين الماضي والحاضر مقارنة فاشلة لا معنى لها. فاليوم على سبيل المثال، إسرائيل تتحالف بشكل متزايد مع العالم العربي ضد إيران وحزب الله، وكان هذا أساس اتفاق السلام بين إسرائيل والإمارات. إن الحرب الإسرائيلية- العربية على وشك الانتهاء؛ وستتحول لحرب إيرانية-إسرائيلية، وهي السبب لقتالنا بشكل يومي في سوريا، ذلك المكان الذي يشكل تهديدا مستمرا باحتمالية قيام حرب في أي وقت ممكن على حدودنا الشمالية مع حزب الله

لذلك يا قيس، فإن الواقعَ اليومَ هو تماما نقيض ما تتهمني بدعمه، كما إن مستقبل إسرائيل يتعلق بعلاقاتها الإيجابية مع جيرانها العرب ومواجهتهم  جنبا إلى جنبا الإمبرالية الإيرانية المعادية لكل من إسرائيل والعالم العربي

لقد كتبتَ في رسالتك بأنني أؤمن ب”المسيح المخلص”. لكن من أين أبدأ؟ فاليهود لا يؤمنون ب”المسيح المخلص” أبدا، وقد تعرض العديد من اليهود للقتل من قبل المسيحييننتيجة لرفضهم الإيمان بعيسى كمسيح؛ لقد كان ذلك دافعا رئيسياً وراء اضطهاد المسيحيين لليهود. وإن كان كلامي خاليا من أي مصداقية بالنسبة إليك، يمكنك التأكد بنفسك وتقرأ عن ذلك في كتب للمسيحيين أنفسهم ـــ مثل
xxx  The Sword of Constantine

أما بالنسبة للاتحاد السوفياتي: فإن اليهود عارضوه بشدة لأنه اضطهد قرابة ثلاثة ملايين يهودي، حارماً إياهم من الحق في التعليم وممارسة دينهم والتعبير عن هويتهم اليهودية. نعم لقد عارضو الاتحاد السوفياتي أيضاً لأنه كان يسلح العرب ضد إسرائيل. الاتحاد السوفياتي كان أحد أكبر الأنظمة الدكتاتورية على الأرض  ليس فقط لاضطهاده اليهود، بل لاضطهاده مواطنيه كذلك، فقد مات الملايين من المواطنين السوفيتيين في تلك الأرض  المتجمدة التي كانوا يخدمون فيها ما يدعى بمعسكرات العمل الإلزامي – الغولاغ -. لهذا أسال نفسي: كيف أتوقع منك ألا تفتقد سقوط نظام متجبر تسبب في مثل هذه المآسي الإنسانية ؟

إن ما قلتَه حول اليهود الاثيوبيين جعلني أتساءلُ: حقا؟ هل يؤمن حقا بهذا؟ لقد أنقذنا اليهود الاثيوبيين من المجاعة وأحضرناهم إلى وطنهم الأم، الوطن الذي ما لبثوا يحلمون به طوال آلاف السنوات التي قضوها في المنفى. ففي إثيوبيا يلقبهم جيرانهم المسيحيون بعبارة “فلاشة”، أي الغرباء. أما مصر، فإنها ليست عدوة لنا طالما لنا مع الدولة المصرية اتفاق سلام سلفاً، وأنا أتمنى كل الخير للشعب المصري.

بالنسبة لموضوع قتل ياسر عرفات فإنه  لا يوجد أي دليل أبداً يشير إلى أننا قتلنا عرفات، أما محمود عباس فسيموت ميتة طبيعيّة على سريره نتيجة لكبر سنه  دون أن يمسه أحد بأذى

لقد اتهمتني باتخاذ موقف مساند لطرد الفلسطينيين، ولهذا أحب أن أدعوك لقراءة الرسالة السادسة من كتابي، والتي تلقي الضوء على رؤيتي الخاصة فيما يتعلق بحل الدولتين. أتمنى أن تقرأ أولا وتعارضني بناءً على ما قلته، وليس ما لم أقله

نفس الشيء ينطبق أيضا على اتهامك لي بأني انظر للعرب على أنهم نازيون، حيثُ ذكرتُ في كتابي أيضا نقيض ذلك تماما؛ كتبتُ أن مأساة هذا الصراع أن العرب يرون اليهود على أنهم مستعمرون، بينما يرى اليهودُ العرب على أنهم مجرد نازيين، بالتالي فان ما يحدث هو أننا – على جانبي الصراع – أسقطنا على بعضنا البعض أسوأ الصدمات التي تعرضنا لها فيما ما مضى

لقد وضحت بما فيه الكفاية في كتابي أن هذا ليس موقفي أبداً. إننا بحاجةٍ ماسةٍ إلى تجاوز تلك الأفكار الساذجة التي نحملها عن بعضنا البعض في سبيل المضي قدماً معاً. لذلك من فضلك، أطلب منك مرة أخرى أن تتوقفَ عن تشويه موقفي وتحريف ما ذكرته في كتابي

ذكرت أيضا في رسالتك أن لدي مخاوفَ بشأن مستقبل إسرائيل في الشرق الأوسط. لكن حين أقرأ رسائلَ كَرسالتك فإنني لا أرى سوى  نظريات مؤامرة مرعبة تتهم اليهود بكل الجرائم الممكنة، وحينها يتملكني القلق بخصوص مستقبلي هنا. الجانب المشرق في الأمر هو أن الوضع في تغير دائم، وقد تلقيت العديد من الرسائل الإيجابية من طرف القراء العرب ، منهم عراقيون أيضا، تظهر كماً هائلاً من اللهفة والشوق لخلق علاقات من نوع آخر بين إسرائيل والعالم العربي، علاقاتٍ مبنية على الاحترام المتبادل والفضول المتبادل للتعرف على عادات وتقاليد وثقافة وتاريخ الطرف الآخر

هذا هو المستقبل الذي خصصت إليه كتابي. لو كنت ترغب في الاستمرار في هذه المحادثة، سأكون سعيداً بذلك

مع تحياتي

يوسي