عزيزي هيثم فضل

بدايةً فإنني أشكرك جزيل الشكر على ردك وتعقيبك على كتابي وتلبيتك دعوتي لقراءة الكتاب، هذه الدعوة التي وجّهتها للعديد من القراء الفلسطينيين، وبالمناسبة فأنا لم اكن انتظر منهُم ردوداً ايجابية بقدر ما كنتُ أنتظر منهُم ردوداً وتعقيباتٍ صادقة. كذلك فانني اشكرك جداً على مساهمتك في إثراء الحوار الذي أسعى جاهداً لاقامته والمبادرة إليه عبر هذا الكتاب

لقد كتبتَ في تعقيبكَ بأن الجارَ الذي يتخيّلهُ يوسي كلاين هاليفي عبر كتابه هو ” الجارُ الضعيفُ الذي يتّفقُ مع يوسي في كل شيء ذكرهُ عبر كتابه “، ولأكون صريحاً معكَ فإنه لو كان كلامكَ صحيحاً لما رأيتني أضيع وقتي وجهدي في تأليف مثل هذا الكتاب، وذلكَ لأنني أعرفُ مُسبقاً وأدركُ تماماً أننا كفلسطينيين وإسرائيليين لا نتّفقُ مع بعضنا البعض على كلّ حيثيات الصراع وكلّ جوانبهِ تقريباً. انطلاقاً من التاريخ ووصولاً إلى أخبار البارحة، وهذا ما دفعني للكتابة والتطرّق الى العديد من المواضيع الخلافيّة بيننا في هذا الصراع 

إنني أريدك أن تُدرك أيضاً بأنه لم يكُن لديّ أيّ نيّة بأي شكلٍ من الأشكال لاقناعِ جاريَ الفلسطينيّ بأنني على صوابٍ وأنه على خطاً، بل كانت نيّتي الصادقة هي مساعدةُ جاريَ الفلسطيني في فهمِ العقليّة الإسرائيليّة وكيف ينظرُ الإسرائيليون إلى هذا الصراع، وهنا أتمنى أن يكونَ الكتابُ قد ساعدكَ شخصياً كصحفيّ فلسطينيّ على فهم مضمون الكتاب بغضّ النظر عن اختلافكَ او اتّفاقِك فيما طرحتهُ من أفكار وآراء عبره 

كذلكَ فقد كتبتَ عبر تعقيبك بأنني ” أحاول أن أجمّل صورة الاحتلال “، وهنا دعني أقول لكَ بأن العديد من قرّاء الكتاب اليهود الذن ينتمون لليمين الإسرائيليّ يختلفون معكَ تماماً! لقد كان هدفي أن  أصوّر الواقع المُحزنَ للقاريءِ عندما كتبتُ عن تجربتي كجنديّ إسرائيليّ مُحتلّ أدّى خدمته العسكرية في قطاع غزة، كذلك فقد كان هدفي من هذا هو أن أبدي انطباعاً شخصياً وانتقاداً ذاتيّاً للواقع حينها، وهي الأهداف نفسها التي كنتُ أطمحُ إليها حين تحدّثتُ عن تجربتي في مدينةِ الخليل أيضاً

وقد كتبتَ في تعقيبكَ أيضاً ” تبقى اسرائيل منذ نشأتها عدوا للفلسطيني والعربي والمسلم الذي لم يقم باي عمل عدائي تجاه اليهود قبل انشاء هذه الدولة”، وهنا دعني أعبر لك عن اتفاقي معك بأن مُعاملةَ المسلمين لليهودِ كانَت أفضلَ بكثير من المعاملة التي تعرّض لها اليهود من قِبل المسيحيين، لكن في الوقت نفسه فقد كانت هنالك العديد من الاعتداءات التي تعرَض لها اليهودُ باستمرار في بلدان مختلفةٍ في العالم العربي والإسلامي. وهنا أريد ان اشاركك هذا الرابط اذا اردت القراءة عن هذه الهجماتِ والاعتداءات التي تعرّض لها اليهود
https://en.wikipedia.org/wiki/Antisemitism_in_Islam#17th_century

كذلكَ فإننا لسنا بحاجة لأن نتعمّقَ كثيراً في التاريخ لنبحث عن هذه الاعتداءات، ففي التاريخ القريب بامكانكَ أن تجدَ مجزرة سنة 1929 التي تعرّض فيها يهودُ الخليل للذبحِ على يد جيرانهم العرب الفلسطينيين بينما في الوقت نفسهِ قام العديد من الفلسطينيين بمساعدةِ اليهودِ وإخفائهم في بيوتهم حتى لا يتعرّضوا للقتل. لقد حدثت هذه المجزرة نتيجةً لانتشار شائعاتٍ كاذبةٍ مفادها بأن اليهودَ يخططونَ للاستيلاء على الحرم الشريف آنذاك. بامكانك زيارة هذا الرابط لقراءة الميد عن مجزرة سنة 1929 في الخليل

https://en.wikipedia.org/wiki/1929_Hebron_massacre

وفي بغداد لم يكُن الحال مختلفاً أيضاً، ففي سنة 1941 تعرَض اليهود لمذبحة الفرهود والتي راح ضحيّتها أكثر من 180 يهودياً عراقياً اضافة إلى آلاف الجرحى. بامكانك زيارة هذا الرابط لقراءة المزيد عن مجزرة الفرهود:
https://en.wikipedia.org/wiki/Farhud

وقد كتبتَ في تعقيبكَ أيضاً بأنه ” مفروض على الفلسطيني قبول حل الخلاص من اليهود في اوروبا تحت دواعي حق اليهود التاريخي في فلسطين”، وهنا أريدُ أن اشاركك ما كتبتهُ في الرسالةِ التاسعة ردّاً على هذه النقطة التي تفضّلت بذكرها تحديداً: ” ها أنا أخيراً يا جاريَ العزيزُ أنتهزُ الفرصةَ لسردِ حكايةَ عودةِ الأمّة اليهوديّةِ إلى أرض إسرائيلَ بطريقةٍ موضوعيّةٍ مُجرّدةٍ وخاليةٍ تماماً من المُغالطاتِ التي لطالما سمعتُها خلال العقودِ الماضيّة من الفلسطينيين بشكلٍ خاصٍ ومن المُسلمين بشكلٍ عام ، تلكَ المُغالطاتُ القائمةُ على أن السببَ الوحيدَ لوجودِ دولةِ إسرائيلَ هوَ شعورُ الغربِ بعُقدةِ الذنبِ نتيجةً لما اقترفهُ بحقّ اليهودِ في أوروبا”. هل فكرت يوماً في تاريخِ اليهودِ الذي امتدّ لاكثر من اربعة آلافِ عامٍ على هذه الارض؟

ان هذه القضيّة تمثلُ جانباً جوهرياً يفسّر لكَ سرّ اعتبار اليهود والفلسطينيين سكاناً أصليينَ على هذه الارض، وهذا بكل تأكيد لا يُعزى الى ما فعلتهُ أوروبا باليهود، بل لانه وبكل بساطةٍ لان هذا الارتباط بهذه الأرضَ  لم يتوقف يوماً لدى اليهود. وليكُن بمعلومكَ بأن غالبيّة اليهودِ ينتمونَ لعائلاتٍ تنحدرُ أصولُها من منطقةِ الشرق الأوسط لا من أوروبا، مثل يهود اليمنِ والعراق والمغربِ وتونس وسوريا، وهؤلاء هُم يجسّدون الغالبية العُظمى من أصول اليهود، بالتالي أريد أن اطرح عليك سؤالاً: لماذا تتطرّقُ فقط  لقضيّة يهودِ أوروبا ووصف اليهود بانهم المستعمرون والغُزاةُ الاوروبيّون وتتناسى يهود الشرق وأصولهم الشرق أوسطية؟ عليك أن تدركَ تماماً بان غضّ الطرف عن يهود الشرق الأوسط ويهود العالم العربي فيه تجاهلٌ كبيرٌ للواقع الإسرائيليّ 

أخيراً وليس آخراً فإنني أريدك أن تعلمَ بأنه للحديث بقيّة وهنالك العديد العديد من الأمور والقضايا التي  يجبُ علينا مناقشتها والحديثُ عنها، بالتالي يسرّني أن ألتقي بكَ قريباً – ان رغبتَ في ذلك طبعاً – من أجل الحديث والنقاش حول هذه الامور جميعها 

شكراً مجدداً على وقتكَ ومجهودكَ في قراءة الكتاب وكتابة تعقيبٍ عليه، كذلك فقد سُعدتُ بالكتابةِ إليك أستاذ هيثم 

وتقبّل فائق الاحترام والتقدير

يوسي كلاين هاليفي

لقراءة تعقيبِ الصحفي هيثم فضل على كتاب “رسائلٌ إلى جاريَ الفلسطيني” بامكانكُم زيارة هذا الرابط