مناشدةٌ لغانتس وأشكِنازي: إسرائيل وأصدقاؤها بحاجتكم للتّصدّي لخطّةِ الضمّ

 

يوسي كلاين هاليفي – مقالة مترجمة للمقالة المنشورة في صحيفة التايمز أوف إسرائيل باللغة الانجليزية بتاريخ 14/6/2020
لقراءة المقالة باللغة الانجليزية كاملةً على موقع التايمز اوف اسرائيل تفضلوا بزيارة هذا الرابط 

 

إن خطوة كهذه أياً كان شكل تنفيذها من شأنها أن تُقللَ من قدرة إسرائيل على التفاوض حول الأراضي المتنازع عليها، كما أنها ستكون بمثابة طعنة في ظهر المدافعين عن الصهيونيّة في العالم 

 

السيّد وزير الدفاع الإسرائيلي بِني غانتس، والسيّد وزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكِنازي، إنني أخاطبكُم بصفتي واحداً من أبرز مؤيّديكُم، وبصفتي واحداً ممّن صوّتوا لحزب أبيَض-أزرَق ثلاثَ مرّاتٍ على التوالي خلال الانتخابات المنصرمة، وبصفتي أحد ناخبيكم والمصوّتين الدائمينَ لكُم في أيّ انتخاباتٍ قادمة

وكغالبيّة مؤيّديكُم والمصوتين لكُم فقد شعرتُ بالحزن الشديد بعد أن قُمتم بالانضمامِ للحكومةِ الإسرائيليّةِ الحاليّة على الرغم من تفهّمي لسبب انضمامكم إليها، حيث كنتُم حريصين كلّ الحرص على أن لا تكون هناك جولةٌ رابعة للانتخابات عقب فشل الأحزاب السياسية والدينية الاسرائيلية في تشكيل حكومة بعد ثلاثة جولات متتالية من الانتخابات. لهذا فإننا نثمّنُ جُهودكُم التي بذلتموها لحمايةِ الديمقراطيّة وومؤسسات الدولةِ من عمليةِ الاغتيالِ الذي كانت ستتعرّضُ لهُ شرعيتُها من قبلِ اليمين الإسرائيليّ

إننا بحاجةٍ ماسّةٍ لكُم الآن وأكثر من أي وقتٍ آخر للتعبيرِ عن مواقفِ ناخبيكم ممن يمثلون التيار اليساريّ الإسرائيليّ الوسطيّ والذين يعارضونَ جُملةً وتفصيلاً خُطّة ضمّ أجزاء من الضفّة الغربيّة. وهنا أودّ تذكيركُم – وتبعاً لعدة تقارير إعلاميّة – بأن إدارة الرئيسِ الأمريكيّ دونالد ترمب قد صرّحت بأنها ستتخلى عن دعمِها لخطّة الضمّ إذا ما شعرَت بوجود انقسامٍ في مواقف الحكومةِ الإسرائيليّة حيال ذلك، الأمر الذي سيدفع بنيامين نتنياهو للتراجع عن قرارهِ بتنفيذ خطة الضم دون دعم وتأييد الرئيس ترمب، مما يعني أنكُما تمثّلانِ الأمل الأخير بالنسبةِ لنا من أجل الحيلولة دون حدوث هذه الكارثةِ

وبصِفتي شخصاً ينتمي للتيار المُعتدل فإنني أؤمنُ بحقّ الشعبّ اليهوديّ في هذه البقعةِ من الأرض من بحرِها إلى نهرِها لأنها أرضٌ يهوديّة، إلا أن الواقع الحاليَّ لم يترك لنا أي حلولٍ أخرى سوى اقتسام هذه القعةِ من الأرض مع الفلسطينيين. وحتى لو كان السلامُ أمراً غيرَ قابلٍ للتحقيق في المستقبلِ القريبِ إلا أنه يتوجّبُ علينا أن نقوم بكل ما باستطاعتِنا القيامُ به لإفشال أي خطوةٍ من شأنها أن تقودنا إلى دولةٍ ثنائيّة القوميّة، فالدولةُ ثنائيّة القوميّة ستؤدي بنهايةِ المطاف إلى تدميرِ قدرتنا على خلقِ التوازن بين ديمقراطيّة دولةِ إسرائيل من جهة وهويّتها اليهوديّة من جهةٍ أخرى

كما وأنني أعلمُ تماماً مدى ادراكِكما للمخاطرِ المترتبة على تطبيقِ خطة الضم وتأثيرها السلبيّ على اتفاقيّة السلامِ مع الأردن وعلى علاقتِنا وتعاونِنا الأمنيّ مع الفلسطينيين، اضافةً إلى تأثيرها على علاقاتِنا التي نسجنا خيوطها للتوّ مع السعوديّة والتي ستقودُ بنهايةِ المطاف إلى خلقِ علاقاتٍ تاريخيّة غير مسبوقةٍ مع دول الخليج. والأهم من هذا كلّه فإنني أريدُ أن الفتَ انظاركُم إلى الخطرِ الجسيم المترتب على ذلك: إن تطبيق خَطة الضمّ سيقوّضُ من قدراتنا في حربِنا التي نخوضُها للدفاع عن شرعيّة إسرائيل في العالم

لقد كنتُ ولا زلتُ واحداً من المُدافعين عن دولةِ إسرائيل وشرعيّة وجودها خلال رحلاتي وجولاتي في الولايات المتحدة الامريكية وأماكن أخرى خلال العشرين سنة المنصرمة، خاصة بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينيّة الثانية، حيثُ أحاضرُ وأتحدّثُ بشكلٍ مُستمرٍ أمام الطلبةِ في الجامعاتِ الأمريكية والكنائسِ وأقفُ امام قادةِ المُجتمعاتِ والجالياتِ على اختلافها مُحاضراً أمامهم، حيثُ عادةً ما يكون مَن يحضرون محاضراتي من الأشخاص الذي اعتادوا على تحميلِ إسرائيل مسؤولية كلّ شيء وإلقاء اللوم عليها في كل ما يتعلّقُ بهذا الصراع. إنني أحاضرُ متسلّحاً بسلاحٍ عظيمٍ جداً للدفاعِ عن إسرائيل، وهو مِصداقيّة الأخلاق والقيمِ الإسرائيليّة، خاصةً بعد أن قبِلنا بكلّ صدرٍ رحب خطّة الرئيس كلينتون للسلام في الوقتِ الذي ردّ فيه الرئيس الفلسطينيّ آنذاك ياس عرفات بالعمليات الانتحارية التي استمرت لقرابة اربع سنوات. لقد أثبتنا مصداقيّة أخلاقياتنا أمام العالم مرة أخرى عندما أبقينا كلّ الخيارات مطروحةً على الطاولة من أجل تحقيق السلام بما فيها إقامة دولةٍ فلسطينيّة وتمسَّكنا بالوضع القانونيّ للأراضي التي كانت ستقامُ عليها الدولةُ الفلسطينيّة مستقبلاً

وإذا ما قمنا بضمّ جُزءٍ من أراضي يهودا والسامرة فإن يعني أننا نقبلُ بالوضع المترتب على ذلك، بمعني أننا نقبلُ بوجودِ صنفين من السكان فوق هذه الأرض، أحدهما يتمتع بالجنسيّة والحقوق الكاملة بينما الصنف الآخر محرومٌ منها. بالتالي لا يوجدُ “ضمٌّ جيّد” وآخر “سيّء”، فالضمّ سواءاً كان لاراضٍ في غور الأردن او لجميع المستوطنات أو أي بقعة استيطانية يعني تخلّينا عنا الالتزام العميق الذي تمسّكت به اسرائيل منذ عقود: وهو التزامنا بخيار المفاوضات فيما يتعلّق  بالأراضي الفلسطينيّة من أجل الوصول الى حل لهذا الصراع. وفي حال قُمنا بتنفيذ قرار الضم فإن المواقف ستختلف وتتبدّلُ كلياً، وسنكون نحن من يوصفون بأنهم يرفضونَ حلّ الدولتين، لا الفلسطينيين  

وبطبيعة الحال فأنا لا أكترثُ كثيراً بسُمعتِنا بين أعداء إسرائيل الذين يحاولون أن يصوّرونا بصورة المجرمين بين باقي الشعوبِ والأمم، الا أنني أكترثُ جداً بصورتِنا وسُمعتِنا بين حلفائِنا وأصدقائِنا في العالم
إن تطبيق خطّة الضم سيكون بمثابة طعنةٍ في الظهر لهؤلاء الذين يدافعون وبكل بسالةٍ عن إسرائيل وسُمعتها الطيبة، وسيكون بمثابة إضعافٍ لموقفِ الجيل اليهوديّ الشاب الذي يفتخرُ بصهيونيّتهِ ويعلنُ هذا على الملأ دون أن يخجلَ من أحد، خاصة في ثقافات ومجتمعاتٍ لا زالت تصوّر الحركة الصهيونيّة على أنّها حركة عُنصريّة، كما أننا حين نرسلُ أبناءنا من الجيلِ اليهوديّ الشابّ ليدافعوا عن اسم اسرائيل في أروقةِ الجامعات بعد تطبيق خطّة الضم سيكون بمثابة زجّ جنوداً إلى ساحةِ المعركة دونما سلاح

وعدا عن إضعاف مواقفِ أصدقائِنا حول العالم فإن تطبيق خطة الضم سيقوّي جهات أخرى عديدةً مثل أعضاء الحزب الديمقراطي الذين يحاولون تغييرَ موقف الحزب الديمقراطيّ الأمريكي المؤيّد لإسرائيل، اضافةً إلى أولئكَ الذين يحاولون الربطَ بين حركة “حياةُ السّود مُهمّة” الأمريكيّة وبين القضيّة الفلسطينيّة

إنني أستيقظُ من نومي كل صباح لأرى من شرفةِ منزلي تحذيراً واضِحاً يجعلني أستشعرُ مخاطرَ تطبيق خطّة الضم في كل يوم وفي كلّ صباح، فأنا أسكنُ في التلّة الفرنسيّة شماليّ مدينة القدس، وعلى التلّةِ المُقابلةِ لتلّتي أرى بكل وضوحٍ بيوتاً من إحدى القرى الفلسطينيّة والتي تُدعى عناتا. وقد تمّ ضمّ قريةُ عناتا سنة 1967 باعتبارها جزءاً من مخطط القدس الكبرى، إلا أن إن الجدار الفاصل بين التلّة الفرنسية وقرية عناتا قد أدّى إلى حرمان هذه القرية من الخدمات العامة التي تقدمها بلديّة القدس، مثل جمع النفايات وتعبيد الطرق، فيما تعاني المدارسُ هناك من قلّة الاهتمام والرعاية، اضافة إلى تفشّي ظاهرة المخدرات في شوارعها وطرقاتها. أما بالنسبة لحركة البناء والعمران فهي نشطةٌ جداً لدرجة وصلت حدّ الاكتظاظ، حيث يبني سكان عناتا بوتيرة متسارعة وبشكلٍ عموديّ ،وبطبيعة الحال دون الحصول على ترخيص من السلطاتِ الإسرائيليّة، حيث تتعالى البنايات بارتفاعٍ يفوق ارتفاع الجدار وبوتيرة عالية جداً على أمل اللحاق بركبِ البناء قبل أن يتم تسوية أوضاع هذه القرية. أما الاحتكاك الوحيد بين سكان عناتا والحكومة الإسرائيليّة فيتمثّلُ في المواجهات الدائمة بين الشبان الفلسطينيين الذين يلقون الحجارة على قوات الجيش الإسرائيلي

بالتالي فإن ضمّ أجزاءٍ من يهودا والسامرة هو بمثابة تهديد سيحوّل الحياةَ في العديد من المناطق والقرى إلى حياةٍ مشابهة لحياة قريةِ عناتا، أي ستتحوّل إلى مناطق تتفشى فيها الفوضى العارمة والتي ستصبح عصيّة على الانصياع لأي قانون أو اي تنظيم مستقبلاً

ختاماً، لقد أبديتم كقادةٍ إسرائيليين قبولاً كبيراً لخطّة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، إلا أن هذه الخطة لا تمثّل بأي شكلٍ من الأشكال دعوةً للجانب الإسرائيليّ للقيام بضمٍ أحاديّ الجانبِ لأراضٍ من الضفة الغربية، لان خطة الرئيس ترمب تمثّل مقترحاً لخطة سلامٍ ودعوة للمفاوضاتِ بين الجانبين. بالتالي فلنترُك الفلسطينيين متشبّثين بموقفهِم الرافضِ والمتمسكِ بكلمةِ “لا” مراراً وتكراراً، ولنكُن نحنُ الجانبَ الذي يتحمّلُ المسؤوليةَ ويسعى للقيام بكل ما يستطيع القيام به من أجل أن نؤكد على إخلاصنا في الإلتزام بخطّة  السلام العادل التي نَرتأيها وندعمها. إن تطبيقَ خطة الضمّ هو بثابة غايةٍ وُلدَت من رحمِ الخطيئة، حيثُ يسعى لتطبيقه رئيس وزراءٍ إسرائيليّ متّهم بتهمِ فساد وكلّ ما يعنيه حالياً هو الحفاظ على أمجاده والتشبثُ بمنصبه، حيثُ لم يعُد يكترثُ بمصلحة دولة إسرائيل بقدر ما يكترثُ بمصلحتهِ الشخصيّة، وهو الشخصُ الطائشُ ذاتهُ الذي يقوم حالياً بالترويجِ لسياساتٍ وأفكار كان قد رفضها في السابق

السيّد بيني غانتس والسيّد غابي أشكِنازي، رسالتي لكُم بأن لا تتنازلوا عن مواقفكُم في سبيلِ أرضاء هذا الشخصِ الطائِش، وقِفوا بكلّ قوّة وحزمٍ في مواجهةِ أي محاولة لتدمير حالةِ الفصلِ التامّ بين الشعبين الإسرائيلي والفلسطينيّ، قِفوا بكل قوّةٍ وحزمٍ ضدّ محاولاتِ اليمينِ الإسرائيليّ التي من شأنها ان تفرض علينا رؤيتهُم الكارثية للحلّ، الأمرُ الذي سيؤدي بنهاية المطاف إلى خلقِ حالةِ من التداخلِ بين الدولتين. إننا بحاجةٍ ماسّة لكُم في هذا الوقتِ العصيبَ لكي تكونوا الصوتَ الذي يُمثّلُ موقفَ اليسارِ الإسرائيلي المُعتدل

يوسي كلاين هاليفي