هذا ردّ يوسي على تعقيبِ السيّد يوسف من فلسطين. لقراءة تعقيبِ السيّد يوسف كاملاً تفضّلوا بزيارة هذا الرابط

 

عزيزي يوسف

لقد كانت رسالتك تماماً مثلما كنتُ أتمنى : رسالة تعبر عن رغبة في الانغماس في قصتي مع الحفاظ على كرامة قصتك. من ضمن كل الرسائل التي وصلتني فقد كانت رسالتك من بين أكثر الرسائل قيمة بالنسبة لي. شكرا لك على هذه الهدية – هدية الألم والأمل والصدق والنبل


عموما، أنا مُمتنٌ لشجاعتك وجرأتك الأخلاقية والفكرية – والتي هي ربما أكثر أنواع الجرأة خطورةً
إن صراعكَ الروحي لتحرير نفسك من الكراهية – وهنا أذكر بأنها كراهية روحية أكثر من كونها كراهية سياسية – هو صراع أنتمي إليه وأشعر به بكل عمق، فخلال نشأتي وترعرعي في عائلة ناجية من الهولوكوست شعرتُ بأنني غذَّيْتُ مشاعر الكراهية والانتقام تجاه ألمانيا وأوروبا بشكلٍ عام. لقد كرهت الألمان كرهاً شديداً  لدرجة أنني كنت أصرخ غاضباً السياح الألمان عنما كنت أراهم في شوارع أورشليم القدس. كنت أرفض اقتناء أي منتج  مصنوع في ألمانيا، وكنت أشعرُ حرفيا بأنني ملوث عند لمسي لأي شيء يُكتب عليه باللغة الألمانية. لقد ظننت أن ذلك كان الجزء الأمثل مني: فبعد كل ذلك، كنت أتحرك ضد الشرّ. لقد أدركتُ لاحقاً أن الشخصَ الوحيد المتضرر من هذه الكراهية كان أنا، وهذا ما فهمته وأدركته عندما كبرت

لقد تضمنت رسائلتك الرائعة لحظتين راعتين، واللتان أجْبرتانِي على أن التوقُّف وإعادة قراءة رسالتك مرة أخرى. الأولى حين كتبت بأنك “تتعلم كيف تتخلص من الاحساس بالنقص”. فبِاختصار شديد، لقد كانت جملة مؤلمة، أنت اختصرت بفِطنة كل النتائج الرهيبة للاحتلال،  شكرا على كونك كالمرآة التي تجعلني أرى نتائج أفعال دولتي

اللحظة الثانية حين كان علي التوقف مجددا وإعادة القراءة، كانت عندما قلت : “هل تهتم أنت يا يوسي ببؤسنا؟ هل تهتم بأناس مثلي، يعيشون في فلسطين، وجل ما يحلمون به هو دولة مزدهرة مثل دولتك لكن لا يستطيعون أبدا رؤيتها متحققة في الأفق ؟


سؤالك يستحق إجابة صادقة، وهي كالتالي : مخاوفي تميل لتجاوز حدود استيعابي للتعاطف. فمن بين الأسباب التي دفعتني لتأليف هذا الكتاب هي إجبار نفسي على الخروج من قوقعة الارتياح اأخلاقي، فمرةً أخرى شكرا لك على إجباري على أن أرى حدوديَ ومحدّداتي الإنسانية

إنني أتفهم مخاوفك المتعلقة بدولة فلسطينية صغيرة يقودها قادة فاسدون، والحرمان من الوصول لأراض تشعرُ بشكلٍ طبيعيّ بوجودِ صِلة قوية تربطك فيها. هذا حقا حلم محفز لأجل المستقبل.كما وأقدر تفهمك للمخاوف اليهودية من اننا سنجدُ نفسنا أقلية مجددا – وأيضا حاجتنا لوجود مكان على هذا الكوكب مخصصا وملتزما بضمان مكانٍ آمنٍ للشعب اليهودي حيث يمكنهم إعلاء الثقافة والقيم اليهودية، أي الدولة الوحيدة في العالم حيث العبرية هي اللغة الرسمية والتقويم اليهودي هو التقويم الرسمي فيها. باعتباري ابناً لشعبٍ انتظر ألفي سنة ليحقق هذه الأهداف، أنا مرهون بالذكرى والثقافة والتاريخ لحماية هذا الشعب وثقافته وتقاليده وتاريخه

في الدولة الواحدة التي تقترحها، هل هي سيُضمن لليهود مكانً يأمنون على حياتهم فيه؟ هل ستشكل الثقافة اليهودية الفضاء العام لتلك الدولة؟ إذا أخذنا بعين الاعتبار واقع الشرق الأوسط ومصير الأقليات غير المسلمة فيه فإنني لا أرى أي ضمانات لوضع الثقة في دولة لا يستطيع فيها اليهود التحكم بمصيرهم الخاص بأنفسهم

وبعدها يوجد مشاكل أمنية، أخاف من أن هناك كثيرا من الأفراد في كلا شعبينا سيرون الدولة الموحدة فرصة ذهبية لفرض نسختهم من الدولة – إما التفوق اليهودي أو العربي، أشخاص لديهم الطموح وربما القوة. بالتالي فإن اشتعال غضب طرف واحد يعني بالضرورة اشتعال غضب الآخر  

إنني أؤمنُ بأن النموذج الأرجح للدولة الواحدة الفلسطينية-الاسرائيلية، سيكون أيا من الدول متعددة الإثنيات والأعراق والتي التي تلاشت خلال الاجيال القليلة الأخيرة، بدءا من يوغوسلافيا إلى سوريا، إنني أرى أن عددا كبيرا من اليهود ا سيغادرون هكذا دولة – وما تبقى من الطبقة الوسطى الفلسطينية سيلتحق بهم أيضاً  

لقد ذكرت أن بعضاً من الحركات والمجموعات الشعبية الجديدة الإسرائيلية والفلسطينية قد نادوا بدولتين على أرض واحدةوصراحةً فإنني أجدد أن فكرة الاتحاد الفدرالي بين الدولتين مثيرة للاهتمام، رغم انني لا أرى سوى مزيداً من علامات الاستفهام التي لا تجعلني أعتقد بأنها ستنجح، لكنني مع ذلك منفتح لأي إمكانية تضمن دولة ذات غالبية يهودية في نهاية المطاف. وبالمناسبة فأنا أخطط للالتقاء برئيس الحركة الذي قرأ كتابي “رسالة إلى جاري الفلسطيني” وكنت على تواصل معه. انت محق بشأن أنها لا تحظى بأي دعم اسرائيلي على الاطلاق. لكن إن سادت حركة التسوية وتحولنا نحو دولة واحدة فعلية، حينها ستحظى هذه الفكرة بالإضافة إلى أفكار أخرى دعما كبيرا من الجانب الاسرائيلي والفلسطيني

أخيراً ولس آخراً، أنا ممتن جداً لك لأنك كنت واحداً من قراء كتابي، أنا أيضا أقرأ الكتب بنفس المِنوال: حرفياً أتنفس عطرهم عموما أنا ممتن لك لأنك أصبحت بمثابة صديقا لي. وأنا مستعد، بكل لهفة وشغف لكي ألتقي بك – إما في الأرض التي نتشاركها، أو في بيتك الجديد في إنجلترا فيما لو زرتها يوما ما

وإلى ذلك الحين  فلنستمر بالكتابة ومشاركة وتبادل الأفكار مع بعضنا البعض

تحياتي لك ولعائلتك

مع جزيل الشكر والحب

يوسي