عزيزي يوسي كلاين هاليفي

أكتب لك هذه الرسالة من بلد مجاورة لبلدك. من بلد بنى شعبه جدران من الكراهية لكي لا يتصلوا ببلدك. في الحقيقية، لقد انتهيت من قراءة كتابك “رسائل إلى جاري الفلسطينية”.وأنا الأن أشعر بالفضول لمعرفة رد فعلك عندما تكتشف أنني أتفق مع معظم آرائك التي عرضتها في كتابك. لا تندهش فالأمر لا يتطلب معجزة ليكون الناس متفهمين. انني اكتب لك هذه الرسالة وانا لا أعرف ان كنت قادر على أفراغ كل ما أصاب قلبي من إرتباك وحب منذ انتهيت من قرأت كتابك

انا شاب ترعرع منذ طفولته على كرهك وكره ابناء شعبك دون ان يكون هناك سبب واضح لكل هذا الكره، ومنذ أن كنت طفلا تسائلت،  لماذا نكرهم؟ وقضيت سنوات شبابي متجاهلا الإجابة على هذا السؤال، وحين حاولت أخيرا  البحث عن إجابة لهذا السؤال أجابني البعض من ابناء شعبي بأن السبب هو كون اليهود شعب متعالي، ولكن عندما أتيحت لي الفرصة لقراءة كتابك ومن قبله الكتب التي تحكي قصة حياة فنانين وكتاب يهود عالميين كفرانز كافكا، وعلماء يهود كالبيرت انشتاين، وجدت اليهود اناس بسطاء ومتواضع للغاية. وهناك أخرون أجابوني بأن سبب كراهيتنا لليهود هو قيامهم بإرتكاب المجازر بحق الفسلطينيين، لكنني مع مرور الأيام صادفت الأخبار عن عمليات الطعن وتفجير حافلات المدارس في إسرائيل، كما وجدت في مجتمعي عنف لا يمكن تخيله إلا في شاشات السينماء، وهو الذي لابد انكم تشاهدوه يوميا عبر نشرات االاخبار

اليوم اصبحت انا على دراية بمدى الاضطهاد والظلم الذي تعرض له اليهود في الماضي في جميع البلدان التي أقاموا فيها بعد الأسر البابلي بين 597 قبل الميلاد و 538 قبل الميلاد وكذلك الحرب الرومانية اليهودية  في الفترة 66 م و 73 م، دون أن ننسى المحرقة التي أقدم عليها النازيين بقتل ستة مليون يهودية. من الواضح ان اضطهاد اليهود  لم يكن في الشرق الأوسط فحسب ولكن في جميع أنحاء العالم

يقول الكثير من أبنا أن هذا الاضطهاد كان نتيجة غطرسة اليهود ورفضهم الاندماج في المجتمعات التي يعيشون فيها ، لكني بعد أن قرأت كتابك اصبحت مطلعا أكثر على الحقيقة، كان اليهود مشتتين في جميع أنحاء العالم لمدة ألفي عام بلا وطن، بعد ان شردوا من وطنهم الذي يقدسونه، وعاشوا لقرون كفئة مضطهدة ومشتتة حول العالم، وفي داخلهم رغبة جامحة في العودة إلى وطنهم، هذه الرغبة التي جعلتهم يحترفون المهن والعلوم ويخلقوا لأنفسهم شخصية فريدة من نوعها، ولسوء الحظ لم يفهم العالم أنذاك رغبتهم العميقة واندفاعهم البريئ للعودة

اليوم لابد ان ننسى معاناة الماضي، فكل ما نريده هو أن يعيش الفلسطينيون والإسرائيليون بسلام. بالتالي ومن وجهة نظري فان الحل يكمن في ان يتحد المتجمعان الفلسطيني والاسرائيلي مع بعضهما البعض ويعيشا في دولةٍ واحدة بحقوقٍ متساوية، دولة تأخذ بعين الاعتبار الحق التاريخي لليهود لاقامة دولتهم فوق ارضهم المقدسة، مع الأخذ بالاعتبار الحق التاريخي لليهود في مدينتهم المقدسة، لأنني وآخرين من ابناء جيلي نعتقد بقوة بأن الحرم اليهودي المقدس المعروف بجبل الهيكل، هو ملك لليهود، وأصبحنا نعلم جيدًا أن مدينة القدس لم تكن يومًا مدينة مقدسة في الإسلام ، وأن أقدس مدينة للمسلمين هي مدينة مكة المكرمة. في الواقع، تتحمل الجماعات الدينية الإسلامية مسؤلية الترويج لفكرة أن القدس مدينة مقدسة في الإسلام وتكريسها في عقول المجتمعات العربية، ولكن اليوم قد ظهر جيل جديد من الشباب العربي الذي لا يسلم عقله بسهولة

لقد وجدت في رسائلك العدل وعثرت في كلماتك الإستيعاب المنصف لوجهة نظر الطرف الأخر، والإحساس بمخاوفه وتقدير عناده، هذا الطرف الذي يتمنى فنائك. إنني وبصراحة معجب بالقدر العالي من الإنصاف الذي تتمتع به.لقد اعجبت كثيراً باعترافك بالجانب الفلسيطيني واعترافك بحق الفلسطينيين ومطلبهم الشرعيّ باقامة وطنهم المصتقل، تماماً مثلما يطلبُ اليهود عبر اقامة وطنهم المستقل على ارضهم المقدسة 

 إن تأنيب الضمير الذي أظهرته في كتابك، وبالتحديد عند تذكرك لتصرفاتك القديمة التي قمت بفعلها في فترة مراهقتك والتي إن سألتني لقلت لك انها لا تستحق كل هذا الندم، وكذلك تذكرك بندم للأفكار الأصولية التي تبنيتها في صغرك والتي لا اظنها انا افكار شريرة كما قدمها تواضعك، كل هذا الصدق والندم الذي أظهرته على امور لا تستحق أنما يوحي لي بمدى إنصاف وطهارة قلبك، وكم أنك شخص يحاكم نفسه قبل كل شيء. ولهذا أصبحت انا ايضا متفهم لهذا الحب المقدس الذي تملكه لأرضك، حب لم يتغير منذ آلاف السنين في قلوب كل اليهود

علينا أن نتذكر جميعاً أن الكراهية والرغبة في تدمير الآخر هي مضيعة للوقت، فهي لن تجعل إي طرف ينتصر في النهاية. ومن ناحية أخرى، فإن حب بعضنا البعض وبناء الجسور بيننا يمكن أن يخلق حياة أفضل لنا وللأجيال القادمة
 
ونيابة عن الشباب اليمني الذين يشاركوني آرائي، أود أن أشكرك على كتابك الرائع ومحاولاتك المثمرة في الحوار وبناء جسور التواصل بين شعوبنا

مع  كل الحب و والتقدير

أحمد سعيد من اليمن