رسالة إلى جاري  الإسرائيلي 

انتهيت من قراءة  مايقارب ربع كتاب “رسائل إلى جاري الفلسطيني” للمؤلف يوسي كلاين هاليفي، وهو مجهود متميز   مرتبط  أكثر بالهويه  الدينيه  لدى الكاتب  لدرجة  أن هذا الربع ألأول  الذى قرأته، حيث يعول كثيرا على  اعتبار  معضلة الصراع التاريخى بين الفلسطينيين وجيرانهم  الاسرائيليين  كونها  صدام أديان، رغم ان صمويل هنجتون  قد عزف فى كتابه الشهير  عن التصريح  بهوية الصراع  ألأممي  فاسماه صدام الحضارات ، وهذا مالم يفطن له صديقى كلاين  لدرجة أنني بعد  انتهائي من الصفحه 25 من الكتاب  وجدت الرسالتين والمقدمه  هما رسائل  الى  جاري اليهودي وليس الى جاري الفلسطيني ، حيث  استغرق  كلاين فى هذه الصفحات الكثيره قياساً  بمجمل صفحات الكتاب عن الخلفيه الدينية  والوعد التوراتي  بأرض صهيون المقدسة ” كيف نرنم ترنيم الرب  فى ارض غربه – ان نسيتك يا أورشليم فلتنسني ياميني –  ليلتصق لسانى بحنكى ان لم أذكرك  – ان لم أعل أورشليم على ذروة فرحى ” . لقد  تجاهل كلاين تقريباً أنه يخاطب  جاراً مسلماً أو حتى مسيحياً  لايعنيه من حلم اسرائيل  ووعد الرب بعد عقاب الشتات  الا ما يتعلق به هو بمستقبله  وهويته التى عبر عنها كلاين على استحياء  بما اسماه  ” التعريف بالهويه الفلسطينية ” . وكأن صديقي يوسي هاليفي قد مسخ كل هذه الصفحات  الأولى التى قرأتها  برواية واحدة  وردت بالصفحه 8 بالكتاب عندما التقى الشيخ عبد الرحيم  بمخيم النصيرات  وعندما حاول الشيخ  اثناءه عن ديانته اليهوديه والدخول فى الاسلام  افهمه كلاين – بلطف – أن هذا مستحيلا 

  فلماذا الخوض فى كل هذه الحوادث الدينيه في التاريخ اليهودي للوصول الى حق اليهود فى أرضهم المقدسة؟ 

وهل  تأكد كلاين  أن هذا الخوض  من الأهمية بحيث يقنع جاره  الفلسطيني على الجانب الآخر من السور  اللعين ” كما وصفه كلاين نفسه ”  يقنعه  بشرعية  الوطن اليهودى المقابل والممتد  والملتف  حوله  فى ارجاء شتى  غير متناغمه  جغرافيا حتى  مع  تغول المستوطنات  هنا وهناك دون خطوط  حمراء؟ 

لقد شعرت  فى الصفحات الأولى التى قرأتها من الكتاب  أن يوسي مثل كثير من  رجال الدين المسلمين  وخطباء المنابر  الذين لايكفون عن اثبات وجود الله رغم أن كل الجالسين امامهم  موحدون  مؤمنون

 وحقيقة فقد تملكني الشعور  أن كتاب يوسي هاليفي الدينى  – حتى الآن –  هو  رسالة  محترمة وانسانية  لكنها  منفصلة تماما عن واقع  المشكلة  بين  العرب واسرائيل

 ترامب ونتنياهو  نفسهما  قد تحدثا  بلغة كلاين  -عند عرضهما لمشروعهما للسلام، وكما ترى – جاري الاسرائيلي الطيب –  فلم تجد الخطة  اجماعاً  عربياً حتى –  ناهيك  عن  الفلسطيني طبعا  

-نحن نتفهم  تماماً مخاوف الاسرائيليين من خطابات الكراهيه  والحض  والتحريض ، لكن  رابين – وكان يمينيا بالمطلق – وحتى شارون نفسه قد اتخذا خطوات  كانت أكثر شجاعة  مما  يفعله نتنياهو الآن،  وأخشى أن  يكون ما يساعده  على التشدد   هو الحاله المزريه التى وصل اليها حال العرب ، لكن ذلك فى  حساب التاريخ  لايجب التعويل عليه  فكم من أمم  كبت ونهضت  والتاريخ لايدوم لأحد  ومن يحب اسرائيل حقيقة  عليه ألا  يفرح  بحوادث  عرضيه  ويفرض عداوات  بل  عليه أن يجلس  ثم يجلس  ثم يجلس  حتى يصل الى حل  عادل

 لفت نظري أيضا أن صديقي كلاين  لم يلق الضوء بما فيه الكفايه  على  كيفية خروج  اليهود من فلسطين  فى المطلع   الذى تلا ميلاد المسيح  وهجوم الرومان حتى يمكن عمل مقاربه عادله بين اليهود والفلسطينيين الذين عاشوا على هذه الأرض تماماً مثل اليهود 

 نحن نعلم تماما أن الديانه  اليهوديه سمحة  وانسانيه  رغم خلاف أبنائها  كثيرا مع الرب نفسه  – حسب  ما أورده كلاين فى كتابه ، وهذا  مايفصله  المسلمون والمسيحيون عن  جيل اليهود المتشددين  الذين يجدون فى السلاح والتفوق فى ميزان القوى ضمانتهم الوحيده فى البقاء  

 اليهودى المتدين  الحقيقى هو أقرب  اليهود الى  اخوانه من أصحاب ديانات التوحيد – مسلم أو مسيحى  -،  لكن كلاين  لم يعلق حتى الآن بالشكل الكافي  على دعاة القوة والحرب  فى المؤسسات الاسرائيلية، خصوصاً العسكرية  

 نحن نتفهم مخاوف  اليهود من جيرانهم ، لكننا نرى  أن هناك  فلسطينيون مازلوا يفتشون عن هويتهم  الوطنيه  فى دوله  مثل سائر القوميات  عبر التاريخ ، ونرى  أن اليمين الحاكم الآن  يغسل يديه من كل الاتفاقات  التى تشجع عليها  زعماء يهود  يمينيين ايضا  وقاموا بابرامها فى السابق  – حتى لو أصابها الفشل بسبب تعنت هذا او ذاك -،  بل أيضا – اقصد هذا اليمين –  قد مضى قدماً فى فرض مزيد من  العقبات  والانتكاسات . أظن – وبعض الظن اثم –  أنه يستغل السقوط العربى الحالي  الذى قد يزول  وينقشع  حتى لو مضت قرون، وهذه سنة الخالق وناموس الأرض

….ولنا عودة – بعد مزيد من القراءة 

محمد من مصر