هذا رد يوسي على تعقيب الكاتب علي العايد. لقراءة تعقيب الكاتب علي العايد كاملاً تفضلوا بزيارة هذا الرابط

 

عزيزي علي العايد

بدايةً أودّ أن أعتذرَ منكَ لتأخري في الردّ على تعقيبكِ الجميلِ على كتاب “رسائلٌ إلى جاريَ الفلسطينيّ”، فهوَ واحدٌ من أجمل وأروع الردود التي لم أتوقّع يوماً بأني سأقرأها ، لهذا فأنا مُمتنٌ لكَ على ما خطّهُ قلمُكَ من كلماتٍ رائعةٍ سيّدي الكريم

إنني أتفهّمُ تماماً ما اختلجَ صدرَك من مشاعر عندما بدأتَ بقراءة الكتابةِ إذ راودكَ شعورٌ بأنني أستخدمُ لغةً تبدو وكأنها تحملُ نبرةَ التبرير، وفي الحقيقةِ فقد بذلتُ قصارى جُهدي لكي أتجنّب هذا الأمر إلا أنه يبدو أني لم أنجَح في إشعار الآخرين بأنني لا أبرّرُ شيئاً عبر كتابي بقدر ما أعبّر عن نفسي وقضيّتي. إن إحساسَ الآخرين بانك تُبرّرُ أفعالكَ ووجودكَ هو نتيجةٌ حتميّةٌ لوجودِكَ في صراعِ حياةٍ أو موتٍ لفترةٍ طويلةٍ من الزمن، ومثلما يشعرُ الفلسطينيونَ بالغضبِ واليأسِ نتيجةً لوجودهِم تحت الاحتلال لفترةٍ طويلةٍ من الزمن فإن الإسرائيليينَ يشعرونَ بالغضبِ واليأس نفسهِ نتيجةً لوجودهِم في موضعٍ يستوجبُ منهُم دفاعاً مُستميتاً لتبريرِ حقّهِم في الوجودِ وشرعيّة وجودهِم على هذهِ الأرض

لكن باعتقادي أننا اذا نجحنا في بناءِ علاقاتٍ وديّةٍ بين العربِ واليهود بغضّ النظر عن انتماءاتهم وأفكارهم ومواقفهِم السياسيةّ فإننا سنمتلكُ منظوراً أفضلَ يجعلُنا نعبّر عمّا في ذاتِنا دونما حاجةٍ لاستخدام نبرةِ التبرير تلك. عندما ننجحُ في بناءِ الثقةَ فيما بيننا فإننا لن نكون بحاجةٍ  لأن نبرّر أي شيء  للطرفِ الآخر لنُدافعُ به عن أنفُسنا 

وهُنا أريدُ أن أعبّر لكَ عن امتنانيْ مرةً أخرى على كلماتكِ الودودةِ التي كانت بمثابِ هديّة نفيسةٍ بالنسبة لي، كونها خلقَت بيننا مودّة جميلةً أشعرُ بأنها ستكونُ موجودة إذا ما تعرّف اليهودُ والعربُ على بعضهِم البعض وتعمّقوا في هذه المعرفةِ أكثرَ وأكثر، بالتالي فإن هذه المودة هي التي ستجعلُ كلا الجانبين يضعها أسلحتُهما جانباً ويتحدّثا إلى بعضهِما البعضِ كأصدقاءٍ وأشقّاء

إنني أقدّر عالياً صراحتكَ المُتناهيةَ في كتابةِ تعقيبكَ عزيزي علي، خاصّةً عندما عبرّتَ للقاريءِ عن مشاعِركَ وأحاسيسكَ التي شَعرتَ بها في خضمّ قراءتكَ للكتاب. إنني أرى فيكَ إنساناً ذا عقليةٍ مُنفحةٍ لتقبّل الآخر، وأرى فيكَ شخصاً ذا قلبٍ كبيرٍ يتّسعُ للجميع، وأرى أنك مثالٌ حيّ لامكانيّة تغيير الانسان لأفكارهِ عندما يشعرُ بأنها أفكارٌ قد تكون مغلوطةً وغير دقيقة في بعضِ الأحيان

هنالِكَ سببٌ آخرُ يجعلُ تعقيبكَ على كتابي مُميّزاً وقيّماً جداً من وجهةٍ نظري، وهوَ أننا نؤسس لنهجٍ جديدٍ ومُختلفُ كلّياً عن النّهجُ الذي اتّبعهُ صُنّاعُ السلامِ اثناء مُباحثاتِ أوسلو، فخلال تلكَ المباحثات في بداية التسعينيّات من القرن المُنصرم كان الإسرائيليّون ينظرون للسلام على أنّهُ نهجٌ سيَحدثُ من الداخلِ وينتقلُ إلى الخارج، بمعنى أنه يتوجّبُ على الإسرائيليينَ إقامةُ سلامٍ مع الفلسطينيينَ حتى يتسنّى لهُم إقامةُ سلامٍ مع الدول العربيّة. لكن ما يتوجّبُ علينا القيامُ به حالياً من وجهةِ نظري هو أن نبدأ من الخارجِ وننتقلَ للداخل، بمعنى أنه يتوجّبُ علينا إقامةُ سلامٍ مع الدول العربية – خاصةً مع المملكةِ العربيّة السعوديّة ودول الخليج –  ومن ثمّ إقامةُ سلامٍ مع الفلسطينيين، فمثلما تعلمُ بأن مسار” من الداخل إلى الخارج” مُعطّلٌ وعالقٌ دونَ أدنى تقدّمٍ منذ فترةٍ طويلةٍ،  لكن وفي الوقتِ نفسهِ فإننا نتقدّم تدريجيّاً في مسارِ إقامةِ علاقاتِ سلامٍ مع الدول العربيّة وتعميقِ العلاقاتِ السياسيّة والاستراتيجيّة معها في سبيل الوصولِ إلى تحقيق السلام عبر إقامة دولةٍ فلسطينيّةٍ مستقلةٍ بمساعدة المملكة العربية السعودية ودول الخليج عموماً. وباعتقادي فإن ما يُسميه البعضُ بـ”المُقايضةَ” في هذه الحالة ستكون من خلال إقامةَ علاقاتٍ طبيعيّة رسميّةٍ كاملةٍ بين الدول العربيّة ودولةِ إسرائيل في مقابلِ انسحابٍ إسرائيليٍ كاملٍ من الأراضي الفلسطينيّة بهدفِ إقامةِ دولةٍ فلسطينيّة مُستقلة

بالتالي فإنني أشعرُ بأن علاقتنا مع الأصدقاء والأخوة السعوديين هيَ علاقاتٌ في منتهى الأهميّة في الوقتِ الحاليّ لأنها ستساعدُنا كثيراً في تعبيدِ الطريقَ معاً من أجل الوصول إلى اتفاقيّةٍ سلامٍ إقليميّ في هذه المنطقة، ولربّما بتضافر جهودِنا سنتمكّنُ من إعادةِ مُبادرةِ السلامِ العربيّة التي قدّمتها المملكة العربيّة السعوديّة إلى الطاولة مُجدداً ونُزيل عنها غبار الزمنِ لتعودَ إلى المشهد السياسيّ من جديد، فنتباحثُ معاً في بنودها لنرى ما يجبُ تعديلهُ وما يجبُ أن نتأقلمَ معه ونتقبّلهُ كما هو

أخيراً وليسَ آخرا عزيزي علي، فإنني أود أن أوضحَ لكَ بأن هدفي من تأليف هذا الكتابِ ونشرهِ لم يكُن فقط لتوضيح موقفي كإسرائيليّ موجودٍ على الجانب الآخر من هذا الصراع، ولم يكن هدفي منه أيضاً أن أدعو الفلسطينيين والعربَ لقراءة الكتابِ فقط، بل إن هدفي تمثّل في أن أسمعَ منهُم وأقرأ ردودَهم ورسائِلهُم التي سيحدثونني عبرها عن مواقفهِم وحكاياهُم ومعاناتهِم على الطرف الآخر من هذا الصراع، وفي الواقعِ فقد سُعدت كثيراً بسماعِ العديد من التعقيباتِ التي تم نشرها في الطبعة الثانية من كتاب “رسائلٌ إلى جاري الفلسطينيّ” باللغةِ الانجليزيّة، إذ خصّصتُ أكثر من خمسين صفحةً لنشر هذه التعقيبات والردود بمُختلفِ توجّهات وآراء أصحابِها. وقد طمحتُ من هذه الخطوة إلى أن أتخطّى مرحلة سماعِ الآخر لأصل إلى مرحلةِ الحوارِ نفسهِ والحديث عن القضايا الشائكةِ التي تنبع منها اختلافاتُنا، ففي كثيرٍ من الأحيانِ يجبُ علينا أن نعبّر عن آرائِنا ووجهاتِ نظرنا ونقاط اختلافِنا مع الآخرين حتى نتمكّن من الوصولِ إلى تفاهمٍ معهُم

إنني أتطلّع بشغفٍ شديدٍ للحديثِ معكَ أكثر ،ولربّما يأتي ذلكَ اليومُ الذي أستضيفُكَ فيه في منزلي في القُدس ان شاء الله. إنني أكتبُ لكَ هذه الرسالةَ وكلّي أمل أن نبقى على تواصلٍ دائمٍ لكي تحدّثني المزيد عن حياتِكَ وعملكَ وعائلتكَ عزيزي علي

وتقبّل أطيبَ التحيّات

يوسي كلاين هاليفي