عزيزي يوسي، تحية ودّ واحترام
في البداية أود أن أكون صريحاً معك في تقييمي لرسائلك لجارك العزيز، ونظراً لكوني أعودُ لأصول عربية واسلامية فانه حتما سأكون مشبعا بأفكار وأحكام مسبقة تتناغم مع ما رضعته من معلومات خلال طفولتي وشبابي، لذلك اعذرني لو بدر مني شيء يوحي بأنني متطرفٌ بعض الشيء
أثناء قراءتي لكتابكَ ومع مرور الوقت بدأت ابتسم وبدأ الخوف يتلاشى من داخلي، وحين انتهيت من الرسالة الأولى قلت لنفسي: دعني أمشي مع هذا الملعون الى نهاية المطاف. لكن ما حدث هو أنني بدأت ألتهمُ الرسائل الواحدة تلو الأخرى، ولولا مشاغلي الحياتية الأخرى لكنت أنهيتُ قراءة كتابك من الليلة الأولى
عزيزي يوسي، اسمح لي من الآن فصاعداً ان أدعوك صديقي! لقد جعلتني رسائلُك ياصديقي أعيد مفاهيمي ، وبدأت جمل مثل (الأرض ستلتهمنا جميعا في النهاية، فلماذا نتحارب من أجل تلك الأرض) تثيرُ في داخلي تساؤلات كثيرة مثل رواية التاريخ، إذ أن كلاً منا يحمل روايته لتاريخ مليء بالدم والحروب منذ الخلق، منذ آدم وابنيه هابيل وقابيل. كل منا يعتقد أن روايته هي الرواية الصحيحة، لكنك تتطرق لهذا الموضوع عبر رسائلك وتعبر عن روايتك التاريخية بكل انسيابية وبدون أي تعصب. لقد كنت متحيّزاً لروايتك بكل تأكيد، لكنك في الوقت نفسهِ تتفهم تعصّب الطرف الآخر لروايته، وهذا من وجهة نظري يعتبر تفوقاً خارقاً وانتصاراً على الذات
والمباديء؟ ماذا عنها ؟هل ممكن تغيرها؟ “نعم “، يقول يوسي، اذا ما وجدَ عنصران مهمّان هما التعاطف والفضول
وأريد أن أشكرك مجدداً لأنك نجحت في إثارة فضولي، مما جعلني اقرأ المزيد من الكتب لإشباع فضولي لكي أتعرف أكثر على اليهود والتجارب التي مرّوا بها بدءاً من السبي الاول لاجدادي البابليين حتى يومنا هذا. لذا بحثت وقرأت كتاب مذكرات هرتزل ( الدولة اليهودية)، كما شاهدت الفلم التسجيلي.وشاهدت كذلك الفيلم الروائي (The red Sea Diving Resort) الذي يتحدث عن عودة اليهود الاثيوبيين الى وطنهم الام، وهنا عليَّ أن اعترف بانه ولشدة انشدادي للفلم وخوفي عليهم من الاكتشاف، نزلت دموعي لا إراديّاً ر بن غوريولحظة وصولهم سالمين الى مطار بنغوريون في إسرائيل. كما أنني شعرتُ بذلك الشعور الذي اخبرتنا عنه في كتابك لحظة وصولك الى ارض الميعاد اسرائيل لاول مرة، متمنياً لو كنت معك حينها على الرغم من أنني لست يهودياً
شكرا لك عزيزي يوسي الروائي الناجح الذي أزال عني هموم أكثر من نصف قرن، همّ لا أعرف كيف أستطيع أن أساعد في حلّه، لقد دللتني على الطريق، بالتالي اتمنى منك ان تقوم بتحويله الى فلم لكونه أولاً يتضمّن بين طياته رسالةَ سلامٍ في منتهى الأهمية، وثانياً لأنه باعتقادي تجتمع فيه جميع عناصر الفيلم الناجح الذي اتمنى من كل قلبي أن أكون مخرجاً له
كما ذكرت لك في محادثتنا الاولى انا في الاساس ممثل ومخرج، بحيث سأقوم في المستقبل القريب باداء احد ادوار البطولة لفيلم سويديّ يدعى ( معرض عند الله )، كما انني ومنذ زمن اكتب مشروعاً مسرحياً يتحدث عن علاقة صداقة تجمعُ بين يهوديّ عراقيّ وعراقيّ مسلم، فيما يلتقي الاثنان ببعضهما البعض عن طريق الصدفة في السويد، فيما أطلقتُ على هذه المسرحية اسمَ (يوسليم)، وهي كلمة مختصر تجمع بين كلمتي يهودي ومسلم
أخيراً وليس آخراً وبعد هذه التجربة فانني استطيع القول بانه بأمكاني ان اكون بمثابة عين محايدةٍ تنظر الى هذا الصراع بكل حيادية، كما أنني أؤمنُ بأننا عرباً ويهوداً قادرون على إيقاف حمام الدم الذي امتدّ بيننا سبعين سنة، وبأننا قادرون على فعل ذلك من خلال الفن والثقافة، خاصة اذا عملنا نحن اصحاب الشأن من اجل ذلك، دون أن نترك القرار بيد أولئك الذين يعتاشون على المتاجرة بدم اليهود والعرب
اتمنى لك النجاح وسنبقى على اتصال
إياد هويدي من العراق
لقراءة ردّ يوسي هاليفي على تعقيبِ السيّد أياد هويدي من العراق تفضّلوا بزيارة هذا الرابط
———————————————————————————————————————–
الردّ الثاني للسيّد أياد هويدي من العراق بعد ردّ يوسي عليه
عزيزي يوسي
تحية احترام وشكر
اعتقد ان احد نتائج كتابك ” رسائل الى جاري الفلسطيني ” هو هذا الذي نقوم به الآن تبادل افكار جمالية، عثور على صداقات جديدة عابرة لكل التابوات الموروث ، بالفعل انك تستحق اجمل التبريكات والجوائز لما قمت به من فعل انساني قد يكون شبه مستحيل قبل كتابك، لكنك جعلته حقيقة، حقيقة كسرت وستكسر كل من يقف مع الحروب وكل من هو روحاً وجسداً مع السلام، رسائلك ستكون كخطوة نيل ارمسترونج على حين وقف على سطح القمر قائِلاً: إنها خطوة صغيرة للانسان ولكنها قفزة كبيرة للإنسانية
اليك ياصديقي بعضا من السطور عني: وُلدت في مدينة صغيرة تسمى الناصرية وهي مدينة اور في زمن السومريين كما تسمى بلغة المؤرخين ” مهد الحضارة ” لعائلة فقيرة بل معدمة، اذ كنت أبيع الحمص والفول في شوارع المدينة بعد دوام المدرسة، كنت حالما كبير، ثمّ انتقلت بعدها الى بغداد ودرست المسرح فيها، ثم اندلعت الحرب بين العراق وإيران، مما اضطرني للهروب من البلد والهروب من الحرب، جُبناً ام حباً للحياة، لكَ أن تسمها ماشئت
عشت في السويد ثم انتقلت الى روسيا لإكمال دراساتي العليا في المسرح، حصلت من هناك على الماجستير والدكتوراه. وعدت مرة اخرى الى بلدي السويد ، ومازلت اسكن فيه ويسكن فيّ. ومن ثمّ قمتُ بتمثيل وإخراجِ العديد من الأعمال المسرحية والتلفزيونية والسينمائية. عدتُ فترة الى العراق بعد سقوط نظام صدام، لكنيّ لم أحتمل العيش فيه لأسباب معروفة إلا أنني ما أزال اسافر الى هناك من وقت لآخر إمما لزيارة الاهل والاصدقاء والاطمئنان عليهم او للقيام ببعض الاعمال التلفزيونية
لدي أحلام ومشاريع كثيرة ، كما الآخرين. اتمنى ان الحق تنفيذها قبل مغادرة الحياة لي طفلة وطفل من امرأتين
هذا أنا باختصار ، وتقبّل حبي واحترامي لشخصك وتواضعك الراقي
دمت لي صديقا
أخوك في الانسانية
اياد هويدي