رسالة إلى جاري الإسرائيلي

جاري العزيز/ يوسي هاليفي

لقد قرأت رسائلك إلى جارنا الفلسطيني، فأنا جاركما من مصر وبهذا فأنت وهو جيراني، وهى في الحقيقة رسائل إلي كل الجيران في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كل المُتأثرين بهذا الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي

لقد أعجبني جداً سردك لوجهة النظر الإسرائيلية وتعريف الناطقين بالعربية بأمور لا يعرفها أكثرنا، فقليل منا من يعرف أن اليهودية ليست فقط ديانة ولكن قومية أيضاً ويعرف العلاقة بينهما. فنحن شعوب تعرضنا للتضليل على مدار عقود ليس فقط فيما يتعلق بحقيقتك وحقيقة دينك وقوميتك وتاريخك، ولكن أيضاً بتاريخ وحقائق أشقائك ممكن كانوا يقطنون بيننا ويتجاورون مع آباءنا وأجدادنا وحقيقة دورهم الوطني، فقد صوروا لنا اليهودي في أبشع وأحط الصور لكى يضمنوا أن ننشأ على كراهيتهم، وبالتالي وضع جدار بيننا وبينكم فلا نسمع منكم ولكن نسمع عنكم، ولا نقرأ لكم ولكن نقرأ عنكم، ولا نحاوركم ولكن نتحاور عنكم، لكى نظل خائفين منكم وننسى كل مشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ونظل صامتين خانعين لأن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة

فجاءت رسائلك لتكشف الكثير من الأمور وتفتح الباب للحوار والتواصل بين جيران الشرق الأوسط، خاصة في عالم الانترنت حيث لا أحد يستطيع أن يمنع الناطقين بالعربية من التواصل والتحاور مع الناطقين بالعبرية

نعم الرسائل تقدم الكثير من الحقائق عن اليهود واليهودية التي ربما تكون جديدة على الكثير من الناطقين بالعربية التي قد تساهم في تفاهم شعوب المنطقة، إلا أنه لم يلتفت إلى ثقافة هذه المجتمعات التي تربت على الفخر والحماسة وخير أمة أُخرجت للناس، وإذا كنت أنت يا جاري العزيز قد فسرت “شعب الله المختار” بطريقة انسانية عقلانية تنفي عنها صفة الإستعلاء، ولا إداري إن كان هذا التفسير خاص بك أم هو مقبول من أغلبية اليهود، إلا أننا في مجتمعتنا الناطقة بالعربية وذات الأغلبية المسلمة، نتربى على الإستعلاء ورفض وكراهية الأخر فالأمر لا يتعلق بك وحدك أو باليهود في كل العالم، إنه يتعلق بكل من هو غير مسلم حتى وإن كان يتكلم العربية بل حتى وإن كان جار في نفس البناية ويحمل نفس التاريخ والعادات والتقاليد، ويتعلق بالحط من قدر المرأة، ويتعلق بمعاداة غير الناطقين بالعربية من نوبيين وأمازيغ وكورد، إننا ببساطة نتربى على كراهية المختلف

فالأزمة هى ثقافية بشكل واسع متعلقة أيضاً بثقافة الجهاد والإستشهاد ومعاداة الحياة، وربما ساعد على ذلك فقدان الأمل في مستقبل أفضل، ما جعل الكثيرين يهرولون نحو الموت سعداء فرحين، فقد وعدوهم بحياة أفضل بعد الموت. فالثقافة العربية تُمجد الحرب والسيف وتُفضل السلاح على القلم، لهذا تجد أى إنسان بسيط على قدر قليل من التعليم يعرف خالد بن الوليد وصلاح الدين وقطز، ولا يسمع عن ابن سينا وابن رشد والخوارزمي

إنها أزمة ثقافية كبيرة تجعلنا في هذا الوضع المأساوي على جميع الأصعدة وتجعل حل مشاكلنا بكل أنواعها أمر شديد الصعوبة لأنه يتطلب في أغلب الأحيان مراجعة لثقافتنا وأفكارنا وتفسيراتنا الدينية، فقد أصبحنا نعادي كل من هو ليس رجل مسلم سُني

لهذا فالأمر لا يتعلق باليهود وحدهم وإن كانوا هم من يتلقى النصيب الأكبر من هذه الثقافة المسلحة المعادية لكل مختلف وترغب في التخلص منه أو على الأقل السيطرة عليه وإخضاعه

لهذا أرى أن الحل للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي ليس بقبول كل طرف بالرواية التاريخية للطرف الأخر فقط، لكن حل هذا الصراع من وجهة نظري هو جزء من حل شامل يتعلق بالثقافة العربية الإسلامية ليجعلها أكثر تقبلا للأخر وأكثر سلمية، فعندما نتقبل المختلف والآخر بالتأكيد سنتقبل ونتفهم الرواية التاريخية اليهودية

ربما يكون الأمر مازال أمامه الكثير من الوقت لكى يحدث ولكن المُبشر أنه بدأ بالحدوث ونأمل أن نصل إلى مرحلة قبول الأخر قريباً، وينتهي هذا الصراع وصراعات أخرى كثيرة

جارك مؤمن سلام

الإسكندرية – مصر