ّقراءة في كتاب رسائلٌ إلى جاريَ الفلسطيني                                                          

تشرفت بدعوة لقراءة وتقييم كتاب “رسائل إلى جاري الفلسطيني” للكاتب الإسرائيلي ‘يوسي كلاين هاليفي’، وفي واقع الحال لم أكن أنوي قراءته حالياً، ولكن عندما وجدت بعض الوقت قمت بقراءة المقدمة فالرسالة الأولى، فالثانية.. وبعد ذلك وجدتني منهمكاً في قراءته بأكملهِ ومنجزاً ذلك خلال ساعات

 والحقيقة حينما طلبت مني إحدي مساعديه اعطاء رأي وتحليل للكتاب البسيط في حجمه الضخم في طرحه، وقعت في حيرة كبيرة بعد القراءة ولم أعرف كيف سأبدأ وإلى أين سأنتهي؛ فالكتاب رغم قلة عدد صفحاته، إذا تناولته رسالة رسالة فسأكتب في مقابل كل واحدة ما لا يقل عن عشر صفحات فربما سأصل أني اكتب في المقابل كتاب جديد، لكني قد اهتديت إلي أن أكون مختصراً قدر الإمكان ولا أمعن في السرد، وأركز علي تناول بعض الرسائل وليس جميعها

 

في البداية يقوم الكتاب على صيغة تشبه اليوميات لمواطن إسرائيلي ممزوجة بأسلوب أدب الرسائل؛ إذ يكتبها المؤلف لتواكب الاحتفاء بيوم أو عيد يهودي ويسترجع الأحداث والوقائع التي ترافقت وتزامنت معه سواء في التاريخ اليهودي أو في تاريخ العلاقات العربية الإسرائيلية أو الفلسطينية الإسرائيلية، مستعرضاً على أثر هذه الوقائع نقاط الخلاف والصراع بين الجانبين؛ وينقسم الكتاب إلى عشر رسائل بخلاف المقدمة والشكر والتعريف بالكاتب في النهاية، وتتطرق هذه الرسائل إلى طرح الوضع الحالي بين الإسرائيليين والفلسطينيين بكل حيثياته، في محاولة لفرز أوجه التقارب عن أوجه الخلاف، ومحاولة فهم قضية الصراع لإيجاد حلول بطابع ديني توحيدي – وربما كانت هذه مؤاخذتي الأولى – كما ظهر بشكل واضح هذا الأسلوب في الرسالة الأولى “الجدار الذي يفصل بيننا”، حيث بدأ الكاتب بالحديث عن الجدار العازل بين إسرائيل والضفة الغربية، ومدي العنصرية والتمييز الذي يتعرض له المواطن الفلسطيني مقارنة بجاره الإسرائيلي لينتقل بشكل مرن جداً إلى الجدار الآخر، وهو الجدار النفسي العازل – والذي كان يجب تناوله لا بين الإسرائيلين والفلسطينين فقط، وإنما المجتمع العربي كله – فهو الجدار الذي يمكن أن يكون أكثر صعوبة في الإزالة عن الجدار الحقيقي، طبعاً كانت هذه رسالة ضمنية بين أسطر الرسالة الأولى لم يصرح بها الكاتب وإنما ظهرت في محاولاته لفهم الأسباب النفسية للصراع من وجهة النظر الفلسطينية

أما فيما يخص ما صرح به الكاتب حول هذه الجزئية فقد كانت في نزوله إلى الشارع الفلسطيني والنظر من خلال المفهوم الإسلامي في محاولة أيضاً لفهم أسباب الصراع؛ لذا نجد أن اللغة المستخدمة في الكتاب هي لغة دينية تقاربية من حيث قضية “التوحيد” وأن الإختلافات بين كافة الطوائف الإبراهيمية، هي اختلافات في لغة التعامل مع الرب – على حسب تعبير الكاتب : إنني أعتّز بديانتي اليهودّية وأفخُر بها، وأعّدها لغةً حميمّية روحانّيةً للتواصِل مع الله، لكنّي في الوقت نفِسِه أؤمُن بأّن الله يتكلُم لغات عديدةً مَع عبادهِ

 

وفي الختام، فقد أشار الكاتب إلى الحق المشروع لكافة تلك الطوائف في الأرض المقدسة، وربما من المصادفة أن هذا الطرح يتفق مع وجهة نظري منذ  سنوات، فقد قلت في منشور لي قديم علي حائطي الالكتروني: “إذا كان لـ ‘الرب’ مدينة فلن تكون إلا ‘القدس’ والقدس وحدها دون كل بلدان الأرض، من يوم أكتملت الديانات الإبراهيمية بإصدار النسخة الثالثة. المدينة مهندسة بهندسة ربانية فذه ومستفزه. فالسملات والقواعد والأسوار ‘يهودية’، يتوسطها قبر ‘إبن الله’ الذى دفن فيه وقام منه قيامته الإعجازية فى اليوم الثالث واعداً البشرية بالخلاص، وفيها الممر الذى مر منه ‘نبى الإسلام’ أثناء رحلاته التجارية إلى الشام، ولملاقاة ربه في زيارته السماوية والعودة فى نفس اليوم حسب الرواية الإسلامية.. معضلة القدس الحقيقية أنها ليس لأحد منهم الحق فيها، وفى نفس الوقت قد يكون ‘للجميع’ الحق فيها

وتحياتي لطاقم العمل وللكاتب الفاضل

 

هشام من مصر